وإذا ورد دليل مخرج لمادّة افتراق أحدها ، تنقلب النّسبة بينه وبين الآخرين من العموم من وجه إلى العموم المطلق وهكذا.
إذا عرفت ذلك ، فقد يقال : إنّ مدار تعارض الأدلّة الثّلاثة أو أزيد وعدم تعارضها هو هذه النّسبة المنقلبة الثّانية الّتي تحصل بعد تخصيص بعض الأدلّة ببعضها ، لا النّسبة الاولى المتحقّقة بينها ، ولكنّ الحقّ هو لحاظ النّسبة الاولى وعدم الاعتناء بمسألة انقلاب النّسبة ؛ إذ غاية ما قيل ، أو يمكن أن يقال في تقريب انقلاب النّسبة وجهان : (١)
أحدهما : أنّ تعارض الأدلّة إنّما يكون باعتبار دلالتها التّصديقيّة وكشفها وحكايتها عمّا هو مراد واقعا وجدّا ، ولا ريب ، في أنّ العامّ إذا خصّص يتضيّق دائرة كشفه وحكايته وتنقلب عمّا كانت عليه قبل التّخصيص ، فتنقلب حينئذ نسبته مع العامّ الآخر المباين ، من التباين إلى العموم المطلق أو العموم من وجه.
ثانيهما : أنّ النّسبة بين المتعارضين إنّما تلاحظ إذا كان كلّ منهما حجّة فعليّة مع قطع النّظر عن الآخر المعارض له ، وإلّا فلا معنى للتّعارض بين اللّاحجّتين أو بين الحجّة واللّاحجّة ، ومن المعلوم ، أنّ العامّ إذا خصّص بدليل خاصّ ولو كان منفصلا ، لا يكون حجّة فعليّة في جميع مدلوله وهو العموم ، بل يكون حجّة في غير مورد الخاصّ وهو المقدار الباقي تحته بعد تخصيصه ، فإذا لا محيص من لحاظ النّسبة بينه وبين العامّ الآخر ، فتنقلب النّسبة بين العامّين ، من التّباين إلى ما اشير إليه من إحدى النّسبتين.
__________________
(١) راجع ، نهاية الأفكار ، ج ٤ ، ص ٤١١ ؛ فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٧٤٧ و ٧٤٨.