قوله عليهالسلام : «انظر ما وافق منهما [موثّقان] مذهب العامّة ، فاتركه وخذ بما خالفهم» هو أنّ الإمام عليهالسلام كان بصدد بيان أنّ الموافق لهم لا يصدر عنّا رأسا ، أو صدر لأجل التّقيّة ، فلا بدّ من طرح ذلك وأخذ المخالف لهم ، لا بصدد بيان تقديم المخالف وترجيحه على الموافق.
فتحصّل : أنّ مقتضى التّحقيق في مقام علاج التّعارض في الأدلّة هو الأخذ بالرّوايات الدّالّة على التّخيير ـ كما هو مختار المحقّق الخراساني قدسسره ـ لا التّوقف ولا التّرجيح ، لما مرّ من أنّ روايات التّوقف محمولة على صورة التّمكن من لقاء الإمام عليهالسلام ، وأنّ روايات التّرجيح محمولة على تمييز الحجّة عن اللّاحجّة.
بقي في المقام امور ينبغي التّنبيه عليها :
(التّخيير الاصوليّ)
الأوّل : أنّ روايات التّخيير لو تمّت كانت بصدد بيان التّخيير الّذي يكون باصطلاح الاصول ، بمعنى : الأخذ بالمتعارضين والعمل بإحدى الحجّتين ، فكأنّه يقال : وإن كان الأصل هو التّساقط وعدم حجّيّة واحد منها ، لكنّهما باق على الحجّيّة بحكم التّعبّد والشّريعة ، ولا مجال لتوهّم أنّ مفاد أخبار التّخيير هو جعل الطّريقيّة والأماريّة للمتعارضين في هذه الحالة إلى الواقع بوجه التّخيير ، لكونه تحصيلا للحاصل وجعلا لما هو مجعول وكائن ، حيث إنّ الطّريقيّة ثابتة لكلّ خبر عدل أو ثقة ، ولا مجال ـ أيضا ـ للقول بجعل التّخيير وأنّه أصل عمليّ عند التّعارض ، كالاصول الأخر العمليّة المقرّرة عند الشّكّ والحيرة ، كالاشتغال والبراءة ؛ إذ واضح أنّه ليس