مفاد ما ورد في أخبار التّخيير من قوله عليهالسلام : «فموسّع عليك بأيّهما أخذت» تعيين الوظيفة العمليّة عند الشّكّ في الواقع.
وبالجملة : أنّ التّخيير المستفاد من الرّوايات ليس تخييرا فقهيّا ، كالتّخيير في خصال الكفّارات ، والتّخيير بين القصر والإتمام ، والجمعة والظّهر ، بل لا يمكن هذا النّوع من التّخيير في باب التّعارض مطلقا ، سواء كان على وجه التّناقض أو التّضاد ، لرجوعه ـ ولو بمعونة دلالة الالتزام ـ إلى النّفي والإثبات ، فلا يعقل جعل الوجوب التّخييري بينهما ، كيف وأنّ التّخيير بينهما عقليّ وتكوينيّ وليس بشرعيّ تشريعيّ ، فلا مناص من إرادة التّخيير هنا هو التّخيير الاصوليّ ، كما أوضحناه.
(التّخيير الاستمراريّ)
الأمر الثّاني : انّ المقصود من التّخيير هنا هو التّخيير الاستمراريّ ، كما ذهب إليه المحقّق الخراساني قدسسره (١) ومعناه : الأخذ بأحد المتعارضين دائما. وإن شئت ، فقل : إنّ التّخيير يدور مدار التّعارض وجودا وعدما ، بقاء وحدوثا ؛ وذلك ، لأنّ مقتضى إطلاقات روايات التّخيير وعدم تقييدها بزمان دون زمان هو الاستمرار من دون فرق بين كون التّخيير اصوليّا أو فقهيّا ، بل يمكن أن يقال : إنّ الحكم بالتّخيير يكون إرشادا إلى حكم العقل بتحصيل الحجّة الشّرعيّة مع القدرة عليه.
ومن المعلوم : أنّ الحكم الإرشاديّ يكون تابعا لإطلاق دليل الحجّة (صدّق العادل) فإذا كان إطلاقه دالّا على حجّيّة ما يختاره المكلّف في كلّ زمان ، كان اللّازم
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٣٩٧.