(دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر)
أمّا المورد الثّاني : فالمقصود من البحث فيه هو الأقلّ والأكثر الارتباطيّ ، لا الاستقلاليّ ؛ وذلك ، لأنّ الاستقلاليّ ، معناه : هو أنّ كلّ واحد من الأقلّ والأكثر مستقلّ في الامتثال بلا ارتباط بينهما أصلا ، بحيث لو أتى المكلّف بالأقلّ ، ثمّ انكشف له وجوب الأكثر ، يتحقّق الامتثال بمقدار الأقلّ ، فيجب عليه حينئذ الامتثال زائدا على هذا المقدار ، نظير ما إذا شكّ المديون في مقدار الدّين ، بأنّه هل كان خمسين درهما ـ مثلا ـ أو مائة درهم؟ فلا ريب في أنّه إذا أدّى الدّين بمقدار خمسين درهما ، ثمّ انكشف له وجوب الأكثر (مائة درهم) يجزي الأداء بمقدار الأقلّ ويجب عليه أداء الزّائد على هذا المقدار ، فإذا لا حاجة إلى البحث في أطراف ذلك ، لوضوح الحكم فيه ، بأنّ المكلّف إذا علم بوجوب الأكثر بعد امتثال الأقلّ يأتي به على ما مرّ ذكره ، وإذا شكّ فيه ينحلّ العلم الإجماليّ إلى علم تفصيليّ بوجوب الأقلّ وشكّ بدويّ في وجوب الأكثر ، فتجري فيه البراءة العقليّة والنّقليّة مطلقا ، سواء كانت الشّبهة وجوبيّة أو تحريميّة من الموضوعيّة والحكميّة ، وهذا بخلاف الأقل والأكثر الارتباطيّ ، فيقع البحث فيه.
فنقول : إنّ الكلام هنا يقع من جهتين : الاولى : دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر بالنّسبة إلى الأجزاء الخارجيّة ؛ الثّانية : دوران الأمر بينهما بالنّسبة إلى الأجزاء التّحليليّة ، كدوران الأمر بين الإطلاق والتّقييد ، وبين الجنس والفصل.
أمّا الجهة الاولى : فالأقوال فيها ثلاثة :
أحدها : أنّ الشّكّ في الأقلّ والأكثر ملحق بالشّكّ في التّكليف ، فتجري فيه البراءة عقلا ونقلا.