لقد تلمس آية يفقدها فوجدها عند رجل من الأنصار يدونها ، وهى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) الأحزاب : ٢٣.
ومن أجل ذلك قال أبو بكر لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت : اقعدا على باب المسجد فمن جاء كما بشاهدين على شىء من كتاب الله فاكتباه.
ومن أجل ذلك لم يقعد زيد عن السعى ليجد آخر المطاف آخر سورة التوبة مع خزيمة بن ثابت.
إذن فلقد كان مصحف أبى بكر وعمر أول مصحف رسمى جمعه زيد بن ثابت لهما فى ظل هذا التحرى الدقيق ، الذى كان أبو بكر وعمر من ورائه ، غير أن هذا المصحف الرسمى لم يأخذ طريقه الرسمى إلى الأمصار ، ولعل مقتل عمر هو الذى أخر ذلك.
والمرحلة الثالثة والأخيرة هى المرحلة التى تمت على يد عثمان. وكانت تتمة للمرحلة الرسمية التى بدأت فى عهد أبى بكر وشاركه فيها عمر ، فلقد وقع الذى كان يخشاه عمر ، والذى فكر من أجله فى هذا الجمع الرسمى ، وعجل به القتل عن أن يمضى فيه إلى آخره.
فلقد مر بك كيف استقل كل مصر بمصحف ، وكانت مصاحف فردية لم يجتمع لها ما اجتمع لمصحف أبى بكر الذى انتهى إلى حفصة ، ثم انتهى إلى عثمان ، من جهد جماعى مستوعب ، ولقد سعى «على» جهده ، وسعى «أبى» جهده ، وسعى «ابن عباس» جهده ، ولكن هذه الجهود لو تلاقت كما تلاقت حياة أبى بكر وعمر لخضعت لتعديل كثير ، ودليلنا على ذلك أنه لما خرج إلى الأمصار مصحف عثمان دان الناس لتحريره قبل أن يدينوا لسلطان الخليفة ، وما يستطيع أحد أن يظن بالمسلمين اللين والضعف على أن يقفوا لأقوى الخلفاء يلزموه رأيهم إن كانوا يعرفون أنه الحق ، ولكن انصياع المسلمين فى الأمصار كلها لمصحف عثمان ، وما كان عثمان بالعنيف ، يدلك على أن المصحف العثمانى خرج من إجماع اطمأنت القلوب إليه.