ولو جعلت «مجراها» و «مرساها» فى موضع اسم فاعل ، لكانت حالا مقدرة ، ولجاز ذلك ، ولجعلتها فى موضع نصب على الحال من «اسم الله» ، وإنما كانت ظرفا فيما تقدم من الكلام ، على أن تجعل «مجراها» فى موضع اسم فاعل.
فأما إن جعلت «مجراها» بمعنى : جارية ؛ و «مرساها» بمعنى : راسية ، فكونه حالا مقدرة حسنا.
فأما من فتح الميم وضمها فى «مجراها» :
فمن فتح ، أجرى الكلام على : جرت مجرى ، ومن ضم ، أجراه على : أجراها الله مجرى.
وقد قرأ عاصم الجحدري «مجريها ومرسيها» ، بالياء ، جعلهما نعتا لله جل ذكره.
ويجوز أن يكونا فى موضع رفع على إضمار مبتدأ ؛ أي : هو مجريها ومرسيها.
٤٢ ـ (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ
ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ)
«معزل» : من كسر الزاى ، جعله اسما للمكان ، ومن فتح فعلى المصدر.
«يا بنى» : الأصل فى «بنى» ثلاث ياءات : ياء التصغير ، وياء بعدها ، هى لام الفعل ، وياء بعد لام الفعل ، وهى ياء الإضافة ، فلذلك كسرت لام الفعل ؛ لأن حق ياء الإضافة فى المفردات أن يكسر ما قبلها أبدا ، فأدغمت ياء التصغير فى لام الفعل ؛ لأن حق ياء التصغير السكون ، والمثلان من غير حذف : المد واللين ، إذا اجتمعا ، وكان الأول ساكنا ، لم يكن بد من إدغامه فى الثاني ، وحذفت ياء الإضافة لأن الكسرة ، تدل عليها ، وحذفها فى النداء هو الأكثر فى كلام العرب ؛ لأنها حلت محل التنوين ، والتنوين فى المعارف لا يثبت فى النداء ، فوجب حذف ما هو مثل التنوين وما يقوم مقامه ، وهو ياء الإضافة ، وقوى حذفها فى مثل هذا اجتماع الأمثال المستقلة مع الكسر ، وهو ثقيل أيضا.
وقد قرأ عاصم بفتح الياء ، وذلك أنه أبدل من كسرة لام الفعل فتحة ، استثقالا لاجتماع الياءات مع الكسرة ، فانقلبت ياء الإضافة ألفا ، ثم حذفت الألف كما تحذف ياء ، فبقيت الفتحة على حالها ، وقوى حذف الألف لأنها عوض مما تحذف فى النداء ، وهو ياء الإضافة.
وقد قرأ ابن كثير فى غير هذا الموضع فى لقمان» ١٣ ، ١٦ ، ١٧ ، بإسكان الياء والتخفيف : وذلك أنه حذف ياء الإضافة للنداء ، فبقيت ياء مكسورة مشددة ، والكسرة كياء ، فاستثقل ذلك فحذف لام الفعل ، فبقيت ياء التصغير ساكنة.