(فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الُمحْسِنِينَ) (١).
صحيح أنّ القرآن يصرِّح بأنّ كل هذه النعم التي أثابهم الله بها لما قالوا بعظمة القرآن والإيمان به ولكن من البديهي أنّ هذا لم يكن قولاً فقط بل كان قولاً ممزوجاً بالإيمان ، ذلك الإيمان الذي ملأ كل وجودهم ، لذا تقول الآيات التي قبلها : (تَرَى اعْيُنَهُم تَفِيضُ مِنَ الدَّمعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ) (المائدة / ٨٣)
لكن كيف يكون كلام هؤلاء مصداقاً للاحسان؟ يمكن القول : إضافة إلى أنّهم درسوا القرآن وتدبروا معانيه جيداً كذلك أقروا واعترفوا بدين الحق وعملوا به بشكل جيد.
ونستفيد من بعض الروايات أنّ الاحسان هو العبودية المقترنة باليقين الكامل والشعور بأنّ الأنسان تحت رقابة الله تبارك وتعالى في جميع الاحوال .. كما ورد ذلك في حديث عن الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله فقد سئل عن الاحسان فقال : «أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فانّه يراك» (٢).
ومن الواضح أنّ من يشعر بمثل هذه المراقبة فستكون عبادته عبادة حقّة لها روح وحقيقة وليس ذلك فحسب بل إنّ آثار هذا الشعور ستنعكس على جميع أعمال الإنسان وأقواله وسلوكه.
* * *
٤ ـ الجهاد والشهادة
إنّ كل من له أدنى اطلاع على منطق القرآن والإسلام يعلم جيداً بالمقام السامي والدرجة الرفيعة للمجاهدين والشهداء في الإسلام ، فلقد وعد القرآن صراحة هذه الطائفة المضحية بالجنّة ، ومن جملة الآيات قوله تعالى : (انَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ انْفُسَهُم
__________________
(١). ورد نفس هذا المعنى في الزمر ، ٣٤ ؛ المرسلات ، ٤٤.
(٢). تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٥٥٣ ، ح ٥٧٩ ذيل الآية الشريفة ١٢٥ من سورة النساء.