٧ ـ الهجرة والجهاد
الهجرة بمعنى الابتعاد عن بؤرة الكفر والشرك والظلم والمعاصي ، وتكون في كثير من الموارد السبيل الوحيد لخلاص المؤمنين والصالحين وانقاذهم من معاناتهم ، فهم يبتعدون عن أجواء محيطهم الملوث ليعملوا على بناء أنفسهم وإعدادها من أجل تعبئة كافة إمكاناتهم وطاقاتهم للهجوم على أعداء الله من كافرين ومشركين وظلمة ، ولقد هاجر المسلمون مرّتين في عصر صدر الإسلام ، الهجرة الاولى (هجرة الحبشة) وهي هجرة خاصة حيث هاجرت مجموعة من المسلمين من مكة إلى الحبشة ، والهجرة الثانيه (هجرة عامة) من مكة إلى المدينة وتعتبر هذه الهجرة بداية فصل جديد في تاريخ الإسلام ، ومن البديهي أن ترك المنازل والممتلكات والأهل والأقارب والأصدقاء والوطن الذي نشأ فيه المرء وترعرع فيه أمر عسير للغاية ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، مواجهة المشاكل لغرض الاعداد للجهاد والهجوم على مواطن الكفر والفساد ، لذا فإنّ القرآن الكريم وعد المهاجرين بأعظم الدرجات وبشرهم برحمته ورضاه : (وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ).
وقال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ* يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ). (١) (التوبة / ٢٠ ـ ٢١)
تتحدث الآيتان الكريمتان عن ثلاث صفات (الإيمان ، الهجرة ، الجهاد) طبعاً أنّ كل واحدة من هذه الصفات ترتبط مع الاخرى برابطة العلة والمعلول فكان إيمانهم هو السبب في هجرتهم وهجرتهم مقدمة لجهادهم وجعل الله سبحانه وتعالى جزاءهم ثلاثة امور هي «الرحمة الإلهيّة» و «الرضوان» و «جنات النعيم» وبهذا فقد جعل الله سبحانه وتعالى مقابل كل صفة اجراً عظيماً ، فالإيمان يستوجب مغفرة الذنوب والهجرة تستوجب جلب الرضوان الإلهي والجهاد بالأموال والأنفس هو السبب في دخلوهم جنات النعيم.
روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال : «بينما شيبة والعباس يتفاخران إذ مرّ عليهما
__________________
(١). لقد ورد هذا المعنى في الآية ١٠٠ من سورة التوبة.