٢ ـ النعم المادية في الجنّة
تمهيد :
لقد اتّضح في بحث المعاد الجسماني أنّ المعاد في التصور القرآني له بعد جسماني وبعد روحاني أيضاً ، حيث إنّ الإنسان في تلك العرصات يحضر بجسمه وروحه ، وأنّ المواهب والعطايا الإلهيّة تشمل الاثنين معاً ، فالذين يعتقدون أنّ النعم في الجنّة كلها نعم معنوية وروحية وأنّ الآيات التي تتحدث عن هذه النعم المادية إنّما هي تعبر بلغة الكناية فإنّ هؤلاء قد غفلوا عن هذه الحقيقة وهي أنّهم وبحصرهم النعم هناك بالنعم الروحية فانّهم ينفون المعاد الجسماني وهذا خلاف صريح للآيات القرآنية التي تؤكد على وجود هذه النعم ، وكما ذكرنا في بحث المعاد الجسماني فإنّ الجسم والروح توأمان مرتبطان معا ولا يمكن أن يبلغا التكامل بمعزل عن أحدهما الآخر ، إضافة إلى هذا أنّه لايمكن للروح أن تلتذ بالمواهب والعطايا الإلهيّة بمعزل عن الجسم.
على أيّة حال ، فالنعم الجسمانية في الجنّة كالنعم الروحية متنوعة وواسعة للغاية وجاذبة للنفس ، ولقد أكد على ذلك القرآن كثيراً لكي يلفت انتباه الناس إلى الأعمال والصفات والفضائل التي توجب هذه المواهب (ومن المعلوم أنّ الإنسان يفكر بالنعم المادية قبل الروحية) وفي نفس الوقت فتح الله سبحانه فصلاً مهماً لبيان النعم المعنوية واللذات الروحية (وسنتطرق إلى هذا في الفصل اللاحق).
وإذا لم تكن النعم الروحية من ناحية شمولية البيان بمقدار النعم المادية لكنّها أكثر بكثير من النعم المادية من الناحية الكيفية ، وسنستعرض أدناه جملة من المواهب والنعم المادية الموجودة في الجنّة تحت هذه العناوين :