وثانياً : أنّ الأنهار تؤَمِّن طراوة دائمية للأشجار ، فالتي تجري من تحتها المياه تكون خضراء زاهية ، إمّا الأشجار التي لا تتوفر لها مياه دائمة أو يؤتى به من الخارج فلا تتمتع بمثل هذه الطراوة والاخضرار ، فالماء هو أساس حياة النباتات ولابدّ من توفر هذا العنصر الأساس للحياة بجانبها دائماً ، وجاء في احدى الروايات : «إنّ أنهار الجنّة ليست في اخاديد إنّما تجري على سطح الجنّة منضبطة بالقدرة حيث شاء أهلها» (١)! والأعجب من هذا أنّه ليس فقط الأشجار تجري من تحتها الأنهار بل ـ وكما جاء في بعض الآيات ـ إنّ (الغرف) بنيت على الأنهار أيضاً فالأنهار تجري من تحتها كما ورد في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الجَنَّةِ غُرَفاً تَجرِى مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ). (٢) (العنكبوت / ٥٨)
* * *
٢ ـ ظلال الجنّة
لقد أشارت آيات عديدة إلى ظلال الجنّة ومن جملتها : (وَاصحَابُ الَيمِينِ مَااصحَابُ الَيمِينِ* فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ* وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ* وَظِلٍّ مَّمدُودٍ* وَمآءٍ مَّسكُوبٍ). (الواقعة / ٢٧ ـ ٣١)
من المعلوم أنّ ظلال الأغصان هي أجمل وأروع من أي ظلال ، فظلال الأشجار ليست كمثل ظلال الخيام والغرف المظلمة الفاقدة للتهوية ، حيث تعمل الرطوبة الملائمة للأوراق على تلطيف الظل ويضيف لها عطر الأشجار وتفتح الأزهار جمالاً آخر إلى جمالها ، وظلال الجنّة ظلال دائمة لذا فلا تختل سكينة الإنسان وراحة باله أبداً : (اكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا). (الرعد / ٣٥)
وعبر عنه أحياناً ب (ظل ظليل) ، قال تعالى : (وَنُدخِلُهُم ظِلّاً ظَلِيلاً) (٣). (النساء / ٥٧)
__________________
(١). تفسير القرطبي ، ج ١ ، ص ٢٤٠.
(٢). ورد نفس هذا المضمون في الآية ٢٠ الزمر أيضاً.
(٣). «الظل الظليل» كناية عن الظل الكامل والدائم والعالي ، ولقد أشارت آيات عديدة إلى مسألة الظل في سورة الرعد ، ٣٥ ؛ يس ، ٥٦ ؛ المرسلات ، ٤١.