وقال تعالى في مكان آخر بعد الإشارة إلى بعض من أشربة الجنّة : (لَّايُصَدَّعُونَ عَنهَا وَلَا يُنزِفُونَ) (١). (الواقعة / ١٩)
«يُصَدَّعون» : من مادة (صداع) على وزن (رُباع) وهو الصداع المعروف (أي لا يأخذهم من شربها صداع) ، وأصله (صَدْع).
فعندما يتعرض الإنسان إلى صداع شديد فكأنّ رأسه يريد أن يتصدع من شدّة الألم ، فتستعمل هذه الكلمة للتعبير عن آلام الرأس الشديدة.
الخلاصة : أنّ خمر الدنيا رديء الطعم .. كريه الرائحة .. يجلب الصداع ويسبّب فقدان الوعي وضعف العقل .. ويسبب الكثير من الأمراض الجسمية والروحية ، وقد يعقبه حالة التهوع .. والتقي والآلام المعوية ، في حين أنّ خمر الآخرة شراب لذيذ منعش يزيد العقل ويعمل على تربية الجسم والروح وله نشوة روحية ومعنوية غير قابلة للوصف.
* * *
٨ ـ الأكواب والصحاف والكؤوس
ممّا لا شك فيه أنّ المطلوب الرئيس من الأغذية والأشربة هو نفسها لا الأواني ، ولكن بلا ريب أنّ لكيفية عرض الغذاء والأواني المستعملة فيها تأثير عميق في جذابية الأطعمة والأشربة وصفائها ومضاعفة اللذّة الناتجة منها ، لهذا السبب رسم القرآن الكريم وفي آيات عديدة صورة إجمالية عن هذه الأواني التي هي في منتهى الروعة والجمال في عبارات قصيرة عميقة المحتوى.
إنّ جميع هذه الألفاظ والمعاني لا تمثل إلّاصورة باهتة عن الوضع هناك ، وإلّا فكل شيء هناك فوق حد التصور.
قال تعالى : (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ). (الزخرف / ٧١)
__________________
(١). «ينزفون» من مادة «نَزْف» على وزن «حَذْف» بمعنى ذهاب الشي بصورة تدريجية ومنه نزف الدم .. وهذا ما يفعله الشراب الدنيوي في وجود الإنسان ، إذ يحطمه تدريجياً.