إنّ هذه الآية لم تشر إلى المتكلم أيضاً ، وما جاء في الآيات لا يختلف عمّا ذكرناه في الآية السابقة.
* * *
١٤ ـ النُّزل
نلاحظ في بعض الآيات تعبيراً عميق المعنى يكشف عن حقيقة جديدة وهذا التعبير هو (النُزُل) ، وقد ورد في قوله تعالى : (لَهُم جَنَّاتٌ تَجرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّن عِنْدِ اللهِ وَمَاعِنْدَ اللهِ خَيرٌ لِّلَابرَارِ). (آل عمران / ١٩٨)
كما ورد نفس هذا المعنى في الآية ١٠٧ من سورة الكهف ، والآية ١٩ من سورة السجدة ، والآية ٦٢ من سورة الصافات والآية ٣٢ من سورة فصلت.
ولأجل توضيح المفهوم الحقيقي لهذه الآيات ، فلابدّ من توضيح المعنى الدقيق للنزل.
قال الراغب في مفرداته : (النزل مايعد للنازل من الزاد) ، وعلى ضوء هذا التفسير تكون جميع النعم التي تعد لاستقبال الضيوف مصداقاً من مصاديق النزل ، ولقد ورد نفس هذا المعنى في «صحاح اللغة» و «المقاييس».
وقال بعض المفسرين : «النزل مايعطى الملك النازل وقت نزوله قبل أنّ يجعل له راتباً أو يكتب له خبزاً» (١).
وقيل : (النزل) (٢) أول طعام يقدم إلى الضيف (وكما هو جارٍ في زماننا حيث يقدمون عصير الفواكه ، أو الفواكه للضيف في أول حلوله) وينسجم هذا المعنى مع مفهوم (النُنزل).
__________________
ـ هنيئاً» ، وقيل : إنّها وصف المفعول به ويكون المعنى (كلو واشربوا مأكولاً ومشروباً هنيئاً) ، وفي الواقع أنّ هنيئاً هو نفس المأكول والمشروب.
وعلى أيّة حال ، فإنّ المراد من «هنيئاً». أنّ الطعام أو الشراب لايترك أي أثر سيء على الإنسان. بل إنّه يهضم بكل سهولة.
(١). تفسير الكبير ، ج ٢٥ ، ص ١٨٢.
(٢). تفسير المنار ، ج ٤ ، ص ٣١٤ ـ لقد ذكر ثلاثة معان مختلفة ومتقاربة في نفس الوقت.