وأيّام وليال وأشهر وسنوات متواصلة ، كيف سيكون الحال؟ خاصّة مع انعدام عوامل الغفلة عن ذكر الله في الجنّة وزوال المسببات التي تعصف باستقرار القلب وحضوره ، وانكشاف الحجب وموانع المعرفة من أمام الابصار ، حيث يصبح إدراك الإنسان وبصيرته أشدّ وأقوى ولا وجود هناك للوساوس الشيطانية التي تقف حجر عثرة دوماً في وجه سالكي هذا الطريق.
يمكن حينذاك تصّور ما يجري هناك ، وما هي النعم المعنوية العظيمة التي تتجلّى لنا ، وما هي النفحات الجذابة التي تستقطب الروح إلى جوار قرب الله ، وتجعلها غارقة في أنوار ذاته وغافلة عن ذاتها حتى يصل بها الحال إلى عدم رؤية ما سواه ولا تطلب سواه ، ولا ترى إلّا ما تحب ، وتحب كل ما ترى.
ونعود الآن إلى القرآن مع الالتفات إلى الإشارات المذكورة أعلاه لنرى القرآن نفسه وهو يبّين هذه النعم التي يمكن تلخيصها تحت الأبواب الآتية :
* * *
١ ـ الاحترام الخاص
تبدأ الاحترامات الخاصة لأهل الجنّة منذ لحظة دخولهم فيها فيقابلهم خزنتها مهنّئين ، كما ورد في القرآن الكريم : (وَسِيقَ الَّذيِنَ اتَّقَوا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى اذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ ابْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ). (الزمر / ٧٣)
يُستفاد من هذه الآية أنّ خزنة الجنّة ينتظرون المتقين بلهفة على أبواب الجنّة وقد فتحوا لهم أبوابها من قبل وما أن يصلوا إليها حتّى يسارعوا إلى استقبالهم بأجمل التحيات ووافر الاحترام ويدعوهم بأطيب العبارات إلى الجنّة والحياة الخالدة فيها (١).
__________________
(١). الملفت للنظر هنا أنّ القرآن استعمل «واو» الحالية في جملة «وفُتحِت أبوابها» للتعبير عن انفتاح الأبواب مسبقاً (كما ورد هذا في الآية ٥٠ من سورة ص (جَنَّات عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ). إلّاأنّه تعالى يقول عن النّار : «حتّى إذا جاءُوها وَفُتِحت أبوابها» بدون استعمال «واو» الحالية.