٣ ـ الأمان بعد الخوف
إنّ نعمة الأمن وبغض النظر عن جذورها التي أشرنا إلى بعضها في بحثنا السابق ، تُعد من أكبر النعم المعنوية التي يعز على الإنسان فقدانها ولو للحظة واحدة ، وهذه الحقيقة يشعر بها الأشخاص في المناطق الصحراوية الموحشة ، أو في المناطق الحربية المعرّضة في أي وقت للقصف بالصواريخ والقنابل ، فهناك يتكدَّر معين الحياة الصافي وتمضي الساعات والدقائق ثقيلة وعسيرة ، والنقطة المقابلة لذلك هي مناطق الأمن والأمان (١).
يَصفُ القرآن المجيد حال المتقين بقوله : (انَّ الْمُتَّقِينَ فِى مَقَامٍ امِيْنٍ). (الدخان / ٥١) فلا هم يخشون هجوم الشياطين ولا يخافون سلطة الطواغيت ولا هم يتعرضون للآفات والبلايا ولا يعتريهم الحزن والغم!
ولهذا السبب يضيف في مكان آخر : (ادْخُلُوا الجَنَّةَ لَاخَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ). (الأعراف / ٤٩)
لقد لاحظنا من خلال التجربة أنّ بعض الناس ـ ورغم مايتوفر له من متطلبات الحياة ومستلزمات الراحة ـ يعيش حالة من القلق والاضطراب بسبب الحزن والهم الذي يستحوذ عليه ، أو لوجود الخوف والهلع الذي ينتابه فيقض مضجعه فنراه لا يلتفت مطلقاً إلى كل تلك النعم ولا يعير أدنى اهتمام لما بين يديه ، ففي مثل هذه الأحوال يمكن لمس حقيقة وعمق التعابير القرآنية بشأن أهل الجنّة.
لابدّ أنّ أهل الجنّة يشعرون حتّى في هذه الدنيا بشيء من ذلك الأمان والسكينة في ظل إيمانهم ، وينعمون بالاستقرار حتّى في أشدّ المعضلات من خلال الاعتماد على حقيقة التوكل وروح التسليم والرضا بالإرادة الإلهيّة : (أَلَا انَّ اوْلِيَاءَ اللهِ لَاخَوفٌ عَلَيْهِم وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) ... (لَهُمُ البُشرَى فِى الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفِى الْآخِرَةِ). (يونس / ٦٢ ـ ٦٤)
* * *
__________________
(١). كلمة «آمنين» الواردة في الآية ٥٥ من سورة الدخان ؛ والآية ٤٦ من سورة الحجر بشأن أهل الجنّة ، وكذلك كلمة «آمنون» في الآية ٣٧ من سورة النبأ حيث تقول : «وهم في الغرفات آمنون» هاتان الكلمتان تشيران إلى نفس هذا المعنى.