من بعدهم ، وفي المرحلة التالية عند اصطدامهم بالعوائق والموانع تبرز الحاجة إلى أشخاص يهبّون للدفاع ويقدّمون التضحيات حتّى يتمكّن الصالحون أخيراً من حكم المجتمع.
وفي هذه المناسبة ينبغي الإشارة إلى أنّ مرافقة هذه الفئات الأربع لا تعني وحدة المقام معها ، بل تعني إمكانية الإرتباط بها كما هو الحال في اتصال الطالب باستاذه أو الجندي بآمره.
ورد ما يشبه هذا المعنى ـ ولكن بثوب آخر ـ في قوله تعالى : (وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِمْ مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ). (الحجر / ٤٧)
ويلحظ في الآية ٣١ من سورة الكهف إشارة إلى نفس المعنى أيضاً.
وعلى أيّة حال ، فإنّ مرافقة هؤلاء الصالحين والاتصال بهم يُعد من أكبر اللذات المعنوية لأصحاب الجنّة.
* * *
٥ ـ العلاقات الطّيبة
إنّ ما يملأ أجواء الحياة بهجةً هي الأحاديث الطيّبة التي يتبادلها الناس مع بعضهم ، فلو كانوا كلهم صادقين ويفكّرون بشكل اصولي ويتعاملون فيما بينهم بالانصاف والمودّة ويتبادلون الحبّ والاحترام ، لكانت حياتهم مملوءة بالاستقرار والبهجة ، ولكن لو انحرفت العلاقات فيما بينهم نحو الكلام القبيح وتبادلوا التهم والأكاذيب والذم والتقريع وتنابزوا بالكلمات الفجّة التي تأباها الآداب العامّة ، يصبح من الصعب على أحدهم صيانة شخصيته والتعامل في مثل هذه الأجواء بل إنّ هذه الأجواء تصبح خانقة ومؤلمة له.
وأحد الخصائص الموجودة في الجنّة هي خلوّها من هذه الظواهر ، فأهل الجنّة لا يسمعون كلمة كذبٍ واحدة على مدى خلودهم أبداً ولا تطرق أسماعهم الكلمات النابية ولا الأحاديث الباطلة ، وهذه من أهم الفضائل المعنوية التي يتمتّعون بها.