الجنّة ، أشارت إلى الرضوان وصورته وكأنّه أمر متبادل بين الخلق والخالق قائلة : «رَضِىَ اللهُ عَنهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ». وما أجمل أن يكون الرضا من الجانبين ، فهو يغرقهم بالنعم حتّى يرضون ، ويغمرهم بالمحبّة بحيث يعلن لهم عن رضاه ، وخلاصة القول أنّه لا فوز أكبر من أن يشعر الإنسان بأنّ مولاه ومحبوبه ومعبوده راضٍ عنه. ودلالة ذلك الرضا أنّه يفيض عليه بكل ما يتصور وما لا يتصور من النعم.
وعبارة «راضية مرضية» من الآية ٢٨ من سورة الفجر هي أيضاً إشارة إلى نفس هذا المعنى ، إذ تصوّر النفس المطمئنة لعباد الله المخلصين الذين يصلون إلى جوار قرب المحبوب قائلة : إنّ صاحب النفس المطمئنة يرجع إلى ربّه وهو راضٍ عنه ورّبه راضٍ عنه أيضاً ، وهنا يصدر الأمر الإلهي : «فَادْخُلِى فِى عِبَادِى» كتاج للكرامة يزّين به الرأس ، فياله من فخر كبير عندما يخاطب تعالى الإنسان في قوله : «عبادي»!
نعم هذه هي عقبى من اجتاز مرحلة النفس الأمّارة والنفس اللوامة ووضع قدمه على أعتاب النفس المطمئنّة. فكبح جماح الأهواء ، وأَلجم الشيطان وامتطى مركب التقوى.
ولا تقتصر الآيات المتعلقة برضا الله في يوم القيامة باعتباره نعمة إلهيّة ، على ما ذكرناه ، فهذا المعنى يلوح للعيان في آيات اخرى أيضاً ويعكس الأهميّة الاستثنائية لهذا الموضوع (١).
* * *
٨ ـ نظر الله إليهم ونظرهم إليه
إنّ من أثمن اللذّات المعنوية هي أن يجود المحبوب الجامع لكل الكمالات بنظرة لطف على الإنسان ويتحدّث إليه ، والأكثر أهميّة من كل ذلك أن يتمكن الإنسان من بلوغ مقام شهود ذاته المقدّسة أي إنّه يراه بقلبه ويغرق في بحر جماله.
وقد أكّد القرآن الكريم مراراً على هذه النعمة المعنوية ، فتذكر احدى الآيات العذاب
__________________
(١). راجع سور ، القارعة ، ٧ ؛ والتوبة ، ٢١ ؛ والحديد ، ٢٠ ؛ والبيّنة ، ٨.