في الاطُر المادية ، فهي تُظهر أيضاً عدم وجود أيّة محدوية في أيٍّ من الجانبين.
وبتعبير آخر إنّ الله يهب الإنسان القدرة التي تجعل من إرادته سبباً لحصول أيّة نعمة ، خلافاً لما عليه الحال في الدنيا إذ إنّ إرادة الإنسان فيها تابعة لوجود الأسباب وتوفّر العوامل ، فعندما يرغب الإنسان في التجوال في روضة أو بُستان ولا يكون الجو معتدلاً ولا الأشجار يانعة ، فإرادة الإنسان لا تستطيع مطلقاً خلق أجواء ربيعية أو أشجار مورقة نديّة ، ولكنه في الجنّة ما أن يطلب شيئاً حتّى يتحقق له بإذن الله ، وهذا الامتياز مثير للعجب (١).
وقد طرح بعض المفسرين ، الذين يصرّون على قضية رؤية الله تعالى ، هذه المسألة هنا وقالوا : إنّها تتضمن المشاهدة أيضاً ، فمن ذا الذي لا يطلب ولا يبغي رؤية الله جل وعلا؟! (٢) لكن خطأهم الفاحش يكمن في عدم رغبتهم للاذعان لهذه الحقيقة وهي أنّ مشاهدة الله حسيّاً أمر غير ممكن ، وذلك لأنّ الاتصاف بالجسمية والمكانية والأينية لا تعدو أن تكون من الصفات الخاصة بالمخلوقات وهو أمر مستحيل بشأن ذاته المقدّسة ، وأهل الجنّة لا يطلبون المحال ، أمّا المشاهدة القلبية والباطنية فهي متيّسرة في هذا العالم وكذلك في العالم الآخر.
وفي نفس هذا السياق ورد في قوله تعالى : (لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ). (ق / ٣٥) ويدلّ هذا التعبير على توفير كل ما تتسع له جملة (لهم ما يشاءُون) وكل ما تشتمل عليه إرادتهم إضافة إلى توفير جميع النعم والعطايا التي لم تخطر على بال أي إنسان ، ويشملهم بلطفه الذي يستعصي على البيان وصفه.
ويُسْتدل من بعض الروايات أنّ جملة : «ولدينا مزيد» هي إشارة إلى أيّام الجمعة التي يحظى فيها أهل الجنّة بكرامات وعنايات خاصة من قبل الباري جلّ وعلا ، وهو أكثر لديهم
__________________
(١). مقتبس من تفسير الميزان ، ج ١٧ ، ص ٢٦٠.
(٢). تفسير الكبير ، ج ٢٦ ، ص ٢٨٠.