وهناك نقطة اخرى أيضاً تسترعي الإنتباه وهي أنّ تعبير «قرّة أعين» تعني برودة الأعين (١). لأنّه من المعروف بين العرب أن «دموع الشوق» التي تنهمر عادة من الأعين عند الفرح الشديد تكون باردة ، على العكس من دموع الحزن التي تتصف عادة بالحرارة والحرقة ، لذا فإنّ العربي عندما يريد القول : إنّ الموضوع أو الحادثة الفلانية مدعاة للسرور والارتياح ، نراه يقول «قرة العين أو قرّة أعين».
وعلى أيّة حال فهنالك كلمات وآيات لا يبلغها عقل الإنسان مهما بلغ من التسامي ومهما ارتقى من الذُرى ، وكلما تعمّق لسبر أؤغوارها كلما توصل إلى مفاهيم وأبعاد جديدة ، حتّى يصل الفكر إلى مكان يقف عنده ويعترف بعدم القدرة على بلوغ أعماقه ، والآية التي نبحث فيها تمثل في الواقع إشارة قيّمة وذات مغزىً للنعم الروحية والمعنوية العظيمة لأصحاب الجنّة ، فهى تحمل بين طيّاتها هذا المفهوم وهو عدم استطاعة أي إنسان حتّى الأنبياء المرسلين والملائكة المقرّبين من بلوغ هذه الحقيقة ومعرفة ما أخفى الله من جزاء لخاصة عباده ، ومن المؤكد أنّهم يبلغون درجات عالية من القرب إلى ذاته المقدّسة ومراحل رفيعة من وصال لقائه ومنازل سامية من عنايته وألطافه لا يدركها إلّامن بلغها.
* * *
١١ ـ خلود نِعَم الجنّة
وممّا يضفي على الجنّة أهميّة بالغة وقيمة معنوية كبيرة ويميّزها تماماً عن جميع النعم الدنيوية هو (عدم إمكانية فنائها أو زوالها) ، فلا قلق هناك من ذلك ولا خوف ولا وجل من انقطاعها ، فالإنسان مطمئن البال في هذا الجانب تماماً ، وهذا الشعور بالأمان يضفي على تلك النعم طعماً خاصاً.
هذه الحقيقة يعرف معناها كل من ينال نصيباً وافراً من النعمة ثم تنتابه الهواجس الداهمة في إمكانية ذهابها ، فتمسي حلاوتها مرارة في فمه.
__________________
(١). «قُرّ» في اللغة على وزن «حُرَّ» وتعني البرودة.