لما صرف عنهم من العذاب ؛ ثم ينادون : يامعشر أهل النّار ارفعوا رؤوسكم فانظروا إلى منازلكم في الجنّة فيرفعون رؤوسهم فينظرون إلى منازلهم في الجنّة وما فيها من النعيم ، فيقال لهم : هذه منازلكم التي لو اطعتم ربّكم دخلتموها ...» (١).
وجاء في ذيل الرواية نفس هذا المعنى بشأن أصحاب النّار حينما يرون منازلهم في الجنّة فيكادون يموتون من الحسرة والغيظ.
ونُقل في تفسير الدر المنثور حديث مشابه عن الرسول صلىاللهعليهوآلهولكن بشكل مختصر(٢).
إنّ وجود منزلين لكل إنسان يدل على الطبائع والاستعدادات الموجودة في كل إنسان بالقُوّة ، حيث يُحدّد منزله في الجنّة أو في النّار وفقاً لتلك الطبائع والاستعدادات ، ولا يتنافى هذا مع ماذكرناه سابقاً من أنّه يبني تلك المنازل بعمله ويكملها من جميع الجوانب ، ويخرج كل تلك الاستعدادات من حالة القُوّة إلى حالة الفعل ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فإنّ أهل الجنّة لا ينسون أبداً ذكريات الدنيا ، ويمكنهم معرفة قيمة وأهّمية كل هذه النعم والفضائل من خلال مقارنة أوضاعهم الحالية مع ما كانوا عليه في الدنيا.
ذكرت الآيات ما يأتي : (وَأَقبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعضٍ يَتَسَاءَلُونَ* قَالُوا انَّا كُنَّا قَبلُ فِى اهلِنَا مُشفِقِينَ* فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ). (الطور / ٢٥ ـ ٢٧)
ويُظهر هذا التعبير أنّ أصحاب الجنّة يتذكرون معاناتهم في الدنيا وشقاءهم ويقارنون بينهما وبين ماهم فيه ، ومن الطبيعي أنّ هذه المقارنة تُظهر لهم بوضوح عظمة النعم التي يتنعّمون بها.
* * *
٣ ـ هل يوجد في الجنّة تكامل؟
رغم أنّ جواب هذا السؤال قد اتّضح إجمالاً من خلال الإجابة عن السؤال السابق ، لكن
__________________
(١). بحار الأنوار ، ج ٨ ، ص ١٢٥ ، ح ٢٦.
(٢). تفسير در المنثور ، استناداً لما ورد في تفسير الميزان ، ذيل آيات سورة الأعراف.