٢١ ـ الهمز واللمز والغيبة
وهذه أيضاً من الذنوب الكبيرة لأنّ فيها استهانة بكرامة وشخصية الناس المؤمنين ، والكرامة والشخصية من الاعتبارات التي توازي في الأهميّة دم الإنسان بل وتفوقه أحياناً ، ولذلك توعد القرآن الكريم بالويل والعذاب لكل من يجترىء على هذا الفعل ، فقال : (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ* الَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ* يَحسَبُ انَّ مَالَهُ اخلَدَهُ* كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِى الحُطَمَةِ). (سورة الهمزة / ١ ـ ٤)
هنالك اختلاف في آراء المفّسرين بشأن معاني الهمزة واللمزة ، فهاتان الكلمتان وردتا على صيغة المبالغة من المصدرين «الهمز» «واللمز» قال البعض : كلاهما بمعنى واحد ، وهو البحث عن عيوب الآخرين واغتيابهم ، بينما قال آخرون ، إنّ الاولى تعني اقتفاء معايب الآخرين والتشهير بهم علناً والثانية بمعنى اقتفائها والتشهير بها خفية وعن طريق الإشارة بالعين والحاجب وأمثال ذلك ، وقال آخرون : إنّ الاولى تعني الغيبة ، والثانية تعني اظهار العيوب وجهاً لوجه.
ويبدو في جميع الأحوال أنّ كل من يحاول الاستهزاء بالآخرين أو يتعمّد الاساءة إليهم باللسان وحركات العين والحاجب في حال غيابه أو وجهاً لوجه ، ويحاول تقصّي عيوبهم أو يكشف العيوب المستورة وافشائها لغرض الاساءة إلى كرامتهم فهو مشمول بالآية المذكورة ، فكما أنّه يحطم شخصية وكرامة الآخرين فسيكون كذلك عرضة ـ في يوم القيامة ـ لنار جهنّم «الحطمة» لكي تحطّم كل وجوده.
إنّ الأشخاص من أمثال هؤلاء هم أكثر خلق الله شراً كما جاء ذلك في حديث منقول عن سيد الرسل صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «ألا أخبركم بشر الناس؟» قالوا بلى يارسول الله ، قال : «المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الأحبّة ، الباغون للبرئاء المعايب» (١).
* * *
__________________
(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، باب النميمة ، ح ١ ؛ تفسير القرطبي ج ٢ ، ص ٧١ ـ ٧٢.