الشوك ، أشدّ مرارة من الصبر ، وأنتن من الجيفة ، وأحرّ من النّار ، سمّاه الله ضريعاً) (١).
ويفهم من جملة (لَا يُسمِنُ وَلَايُغنِى مِن جُوعٍ) أنّ مثل هذا الطعام لا يقوّي الجسم ولا يشبع من الجوع ، بل هو طعام غصص وهو بذاته نوع من العذاب ، كما نقرأ في قوله تعالى : (وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً الِيماً). (المزمل / ١٣)
ولكن ينبغي عدم التعجب من مثل هذا العذاب الصارم الذي هو في انتظار المجرمين الذين كانوا يملأون بطونهم في هذه الدنيا بأنواع الأطعمة اللذيذة الدسمة والحلوة والتي يحصلون عليها بالتجاوز على حقوق الآخرين بأنواع المظالم والتعدّي ، بينما توجد حولهم الكثير من البطون الجائعة التي لم تشبع طيلة عمرها ولا حتّى مَرّة واحدة ، ويموت سنوياً ملايين الأشخاص جوعاً في البلدان الأخرى وفي الوقت الذي يرمي المجرمون بالفاضل من طعامهم في المزابل ، يجب أن يأكلوا مثل هذا الطعام في العالم الآخر.
ونرى هنا ضرورة إعادة الكلام الذي كررناه مَرّات متعددة وهو أنّ هذه التعابير كلها إشارات إلى أليم العذاب في العالم الآخر ، وإِلّا فلا نعم الجنّة ولا عذاب جهنّم يمكن إدراكها من قبلنا نحن المحبوسين في سجن الدنيا ، وكل ما نشاهده هو شبح يترائى لنا من بعيد.
وهنا يرد اعتراض بديهي وهو أنّ الآية (٦) من سورة الغاشية تفيد أنّ طعام أهل النّار هو من «الضريع» فقط : (لَيسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَريِعٍ) بينما تذكر الآيات الآنفة نوعين آخرين من طعام أهل النّار وهما «الزقّوم» و «غسلين». وكذلك الآية ٣٦ من سورة (الحاقّة) تحدّثت عن الغسلين وقالت : إنّه الطعام الوحيد لأصحاب جهنّم.
وقد وردت أجوبة مختلفة عن هذا السؤال ، وأهمها الثلاثة الآتية :
١ ـ إنّ كلمات «الضريع» و «الزقّوم» و «الغسلين» تعطي جميعاً معنىً واحداً وهو النبات الخشن كريه الطعم والرائحة والذي ينمو في جهنّم (لكن هذا التفسير لا يتّسق مع ما جاء بشأن الغسلين في الكثير من كتب التفسير واللغة).
٢ ـ اعتبر البعض كلمتي «الزقّوم» و «الضريع» بمعنى واحد وهو ما سبقت الإشارة إليه
__________________
(١). تفسير مجمع البيان ، ج ٩ ـ ١٠ ، ص ٤٧٩ ، ذيل الآية مورد البحث.