وفي الآية الثالثة إشارة إلى جزاء طائفة أُخرى من المسيئين من الذين كانوا يكنزون الذهب والفضة والدراهم والدنانير ولا يؤدّون ما عليها من حقوق شرعية فتقول الآية الشريفة : (وَالَّذينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
ثم تشير الآية إلى جانب من هذا «العذاب الأليم» وتُضيف : (يَومَ يُحمَى عَلَيهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَى بِهَا جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُم وَظُهُورُهُم) ، ويقال لهم حينها : (هَذَا مَا كَنَزتُم لِأَنْفُسِكُم فَذُوقُوا مَاكُنْتُم تَكْنِزُونَ).
يُعطي هذا التعبير إجابة عن سؤال مهم بخصوص الآيات المتعلّقة بالعذاب الإلهي الشديد يوم القيامة ، وهو أنّ هذا الجزاء يُعتبر ثمرة لأعمال العباد ونتيجة فعلهم تتجسد لهم يوم القيامة على هذه الشاكلة ، فهم في الحقيقة يذوقون أفعالهم تماماً كالشخص الذي يسرف عدّة أيّام في تناول الخمر فيقع فريسة لأمراضٍ مؤلمة وشديدة ويبقى يعاني منها طوال حياته.
زنزانات جهنّم الانفرادية :
يواجهنا في الآية الرابعة نموذج آخر من العقاب المتنوع الذي يلقاه أهل النّار إذ تقول : (وَاذَا أُلقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوا هُنَالِك ثُبُوراً).
فيقال لهم لا فائدة من صياحكم وصراخكم هذا فهو لا ينفع شيئاً ، فمصائبكم جمّة تستحق الثبور والويل : (لَّاتَدعُوا اليَومَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً).
ويتضّح جيداً من هذا التعبير أنّهم ليسوا أحراراً حتّى في جهنّم فهم في ما يشبه الزنزانات مقيّدون بالاغلال والسلاسل حتّى تتعالى أصواتهم ولكنّها لا تحلّ لهم أيّة مشكلة.
كلمة «مقرنين» مأخوذة من المصدر «قرْن» ، وتعني في الأصل ـ كما قال الراغب في ـ المفردات : اجتماع شيئين أو أكثر لسبب من الأسباب ، ولهذا يطلق على الحبل الدي تُربط به الأشياء (قَرَن) على وزن كلمة «وَطَن» وُيقال «قَرْن» للقوم والجماعة الذين يعيشون في