ولكن هل أنّ هذه العقوبات تطبق في حالة عدم التوبة وجبران مافات؟ أم أنّها في رقابهم في جميع الأحوال؟
يبدو الاحتمال الثاني مستبعداً جدّاً ، وذلك لأنّ أكبر الذنوب وهو الشرك يمحى بالتوبة ، فالمشركون كذلك يعفى عنهم بدخولهم الإسلام ، فكيف يمكن القبول بأنّ قتل النفس يفوق كل هذا ، إضافة إلى ذلك ما ورد في تاريخ الإسلام أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله عفا عن وحشي قاتل حمزة بن عبد المطلب قبل توبته ، وكذلك عفا الكثير من المسلمين عن قتلة آبائهم وأبنائهم واخوانهم ، بعد دخولهم الإسلام. ومن نافلة القول ، إنّ التوبة عن مثل هذا الذنب ليست بالأمر الهيّن ولا تنتهي القضية بالاستغفار بالقول بل ينبغي الانقياد للقصاص أو ارضاء أولياء القتيل بالدّية أو غيرها وجبران مامضى بعمل الخير في المستقبل.
جاء في حديث عن الرسول محمد صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «لزوال الدنيا وما فيها أهون على الله من قتل مؤمن ولو أنَّ أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله تعالى النّار» (١).
أمّا كيف يمكن خلود قاتل المؤمن عمداً في النّار مع ما يدلّ على أنّ الكُفّار وحدهم سيخلدون في النّار؟ فللمفسرين أجوبة مختلفة في ذلك.
فقيل : إنّ أشخاصاً كهؤلاء لا يكتب لهم نصيب من التوبة أو قليلاً ما يوفقون لبلوغها ، فيغادرون الدنيا في نهاية المطاف بلا إيمان ، ولهذا فهم يستحقون الخلود في النّار.
وقيل : إنّ هذا هو جزاء من يقوم بالقتل العمد وهو منكر لتحريمه ، وهذا الأمر يستلزم الكفر بذاته.
وقيل : إنّ كلمة الخلود تعني هنا المدّة الطويلة لا العذاب الأبدي. يبدو أنّ التفسيرين الأول والثاني أنسب إلى واقع الحال.
٥ ـ آكلو الربا
هددت الآيات القرآنية آكلي الربا أيضاً بالعذاب الأبدي ، فقالت : (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ
__________________
(١). تفسير روح المعاني ، ج ٥ ، ص ١٠٤.