مِّن رَّبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَاسَلَفَ وَامْرُهُ الَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَاولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). (البقرة / ٢٧٥)
وهنا يعترضنا أيضاً سؤال وهو : كيف يخلد هذا الفريق في النّار بينما الذنب الكبير لا يستوجب لوحده الخلود في النّار؟
الاجابة عن هذا السؤال هنا أبسط ، وذلك لأنّ نص الآية (في الجمل السابقة) يشير إلى منكري تحريم الربا ، الذين كانوا يقولون : ما الفرق بين البيع والربا ولماذا أحلَّ الله أحدهما وحرّم الآخر ، في حين أنّ الفارق بينهما واضح ، فالبيع والشراء والتجارة والأعمال المشابهة كلها تصب في مصلحة المجتمع ، وهي من النشاطات الاقتصادية السليمة ، أمّا الربا فهو ضار بالمجتمع ، ولهذا الموضوع شرح واسع تطرقنا إليه في مكانه المناسب.
٦ ـ الظالمون والجبابرة
الفريق الآخر الذي اعتبره القرآن الكريم مستحقّاً للخلود في العذاب هو فريق الظالمين ، وهذا ما ورد في الآية حيث جاء فيها : (وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا انَّ الخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا انفُسَهُم وَأَهلِيِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَلَا انَّ الظَّالِمِينَ فِى عَذابٍ مُّقِيمٍ). (الشورى / ٤٥)
ويتبّين من هذا التعبير أنّ عاقبة الظلم ، الخلود في النّار.
وقد أكّدت الآيات التي سبقت هذه الآية مراراً ، العذاب الأليم للظالمين (الشورى / ٤٢) ، ندمهم الشديد وهم يتعذّبون في نار جهنّم (الشورى / ٤٤).
هل المقصود من الظلم هنا هو ظلم عباد الله والمستضعفين أم هو ظلم النفس من خلال الشرك ، لأنّ الشرك كما صرّح به قوله تعالى : (لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). (لقمان / ١٣)
وجاء أيضاً في قوله تعالى : (وَالكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ). (البقرة / ٢٥٤)
رجّح بعض المفسّرين المعنى الثاني ، ولعل جملة : (قالَ الَّذِينَ آمَنوا) دليل على هذا المعنى أيضاً وأنّ المؤمنين المظلومين قد واجهوا ظلماً كبيراً على يد الكّفار الظالمين وهم ـ أي المؤمنون ـ الذين يتحدّثون بهذا الكلام في يوم القيامة.