وكماله ، وأنّ الواجب جلّ ذكره أوجد الأشياء على وجه تكون مجبولة على قوة يتحفظ بها خيرها الموجود وتطلب بها كمالها المفقود ، إلّاأن يُعيقه له عن ذلك عائق ويقسره قاسر ، لكنّ العوائق ليست أكثرية ولا دائمة وإلّا لبطل النظام وتعطلت الأشياء وبطلت الخيرات ، فعلم أنّ الأشياء كلها طالبة لذاتها للحق مشتاقة إلى لقائه بالذات ، وأنّ العداوة والكراهة طارئة بالعرض ، فمن أحبّ لقاء الله بالذات أحبّ الله لقاءه بالذات ومن كره لقاء الله بالعرض لأجل مرض طرأ على نفسه كره الله لقاءه بالعرض ، فيعذبه مدّة حتى يبرء من مرضه ويعود إلى فطرته الاولى» (١).
والإجابة عن هذه المقولة ليست صعبة لأنّ الاخطاء والانحرافات قد تتجذر أحياناً في وجود الإنسان إلى درجة تغدو معها ذات طبيعة ثانوية مثلما يحصل في هذا العالم حين يبلغ المجرم مرحلة من الانحراف حتى يصبح مُلتذّاً بجرائمه ، وتستهويه الامور التي ينفر منها الإنسان السوي طبيعياً وفطرياً ، كما يلاحظ عند الأشخاص الذين اعتادوا ارتكاب الأعمال القبيحة التي تشمئز منها النفوس.
وحينما يبلغ الإنسان مثل هذه المرحلة من الطبيعة الثانوية لا يبقى له أي طريق للعودة. وهذا هو نفس الشيء الذي عبّرت عنه الآية السابقة بتعبير «أحاطت به خطيئته» الذي يسبب انقلاب الطبيعة الإنسانية.
٣ ـ ألا يعتاد أهل النّار على العذاب
قِيل أحياناً : إنّ أصحاب الحجيم يُعّذبون بعد دخولهم في نار جهنّم بمقدار المدّة التي قضوها وهم مشركون في هذه الدنيا ، ولكن بعد انتهاء هذه المدّة يتحول عذاب جهنّم إلى نعيم بالنسبة لهم لأنّه يصبح أمراً متناسباً مع طبيعتهم حتى أنّهم لو دخلوا الجنّة شعروا بعدم الارتياح ، والسبب في ذلك هو عدم تناسبها مع طبيعتهم ، إنّهم يتلذذون بما هم فيه من نار وزمهرير وما فيها من لدغ الحيات والعقارب كما يلتذ أهل الجنّة بظلال أشجار الجنّة والحور والقصور وطوبى والكوثر ، وفي هذا العالم نرى البلبل يطربه أريج الزهور في حين
__________________
(١). الاسفار ، ج ٩ ، ص ٢٤٦ (مع التلخيص). لقد نقل صدر المتألهين هذا الموضوع باعتباره وجهة نظر.