أنّ بعض الحشرات القذرة تلتذ وتنتشى بروائح القمامة الكريهة (١).
هذا الوهم يشكل نقطة مقابلة للوهم السابق أيضاً ويتناقض معه ، وهو في نفس الوقت لا يتّسق مع أي من الآيات التي تؤكّد خلود العذاب ، لاسيّما وأنّ بعضها قد صَرّحت بأنّه (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ). (النّساء / ٥٦)
والتهديد بالخلود في النّار هو تهديد بالعذاب الدائم ، ولو أنّه تحّول إلى نعمة خالدة لما كان يتصف بالتهديد.
إنّ مثل هذه التفسيرات بشأن الخلود تدل على أنّ أصحابها لم يجهدوا أنفسهم بالقيام بدراسة دقيقة أو حتّى دراسة إجمالية لتلك الآيات القرآنية ، ولو أننا أعدنا قراءة تلك الآيات لتبيّن مقدار التناقض بينها وبين هذا الكلام الفارغ القبيح.
إضافة إلى ذلك ، يجب الالتفات إلى أنّ اعتياد الإنسان على الآلام له حدود ، فبعض الآلام طفيفة يعتاد عليها الإنسان بمرور الزمن. لكن لو نقص الماء في جسم الإنسان مثلاً فانّه يعاني العطش ، ويتعذر عليه عندئذٍ الاعتياد على ذلك ، كأن يكون بدنه يحتاج إلى الماء وهو لا يشعر بالعطش!.
٤ ـ هل أنّ الخلود نوعي أم شخصي
يلاحظ أنّ البعض اعتبر الخلود «خلوداً نوعياً» لا «شخصياً» ، ومعنى ذلك أنّ نوع «الإنسان الكافر» يبقى في النّار إلى الأبد ، لكن الأشخاص يتبدلون ، أي أنّ كل واحد منهم يقضي مدّة معيّنة في عذاب جهنّم ، وبما أنّه يعطي مكانه إلى آخر ، فإنّ بقاء الإنسان في جهنّم سيبقى أبدياً.
ومفهوم هذا الكلام أنّ خلقاً آخر يأتي إلى الدنيا في المستقبل ، وينحرف منهم جماعة أيضاً ، فيكونون وقوداً لنار جهنّم ، ويتصادف دخولهم فيها مع نجاة وخروج الخلق السابق منها (٢).
__________________
(١). هذا الكلام نقلناه بشيء من التلخيص عن كتاب الأسفار نقلاً عن محي الدين بن العربي في الفتوحات المكية (الأسفار ، ج ٩ ، ص ٣٤٩).
(٢). هذا التفسير موجود في حاشية ج ٩ ، من الأسفار ، ص ٣٤٨.