وهذا التفسير لاينسجم مع آيات خلود العذاب المتعلقة بالكفّار ، ويكفي قليل من التدقيق في الآيات السابقة لفهم ذلك التناقض وعدم الانسجام ، لأنّ تلك الآيات تصرح بالخلود الشخصي ، وهذه التأويلات لا تتعدى السبب الذي ذكرناه سابقاً وهو أنّ العجز عن حل المشاكل في بحث الخلود قد دفعهم إلى التشبث بمثل هذه التأويلات غير واقعية.
٥ ـ هل ينسجم الخلود مع العدل الإلهي؟!
إنّ أهم اعتراض يُطرح في مسألة الخلود ـ وهو في الحقيقة الاعتراض الأساس فيها ـ هو عدم التناسب بين الذنب وبين العقوبة ، فيقال : كيف نرضى بأنّ يتعذب الإنسان الذي أساء في كل حياته وهي مائة عام على أكثر تقدير وكان خلالها يتخبط في الكفر والمعاصي ويعاقب مدّة ألف مليون عام؟
هذة القضية لا تثير أي اعتراض طبعاً في ما يخص النعم الإلهيّة الخالدة في الجنّة إذ لا عجب من فضل الله ورحمته وجزائه الأوفى ، فرحمته قد وسعت كل عالم الوجود ، أمّا في مجال العقاب فينبغي أن يكون هناك تناسباً بين الجريمة والعقاب ، وإن اختل ذلك التناسب والتوازن فذلك ما لا يتسق والعدل الإلهي ، والخلاصة أنّ مائة سنة من الكفر والذنوب تستوجب مائة عام من العقوبة لا أكثر.
إنّ استعصاء هذا الاعتراض على الحل قد دفع ببعض الجماعات إلى تأويل آيات الخلود واعتبارها تعني طول المدّة أو أنّه الخلود النوعي لا الشخصي أو أنّه الاعتياد على تلك الأوضاع وأمثال ذلك ممّا سبق القول فيه ، لكن وكما قلنا سابقاً فإنّ هذه التأويلات واهية جدّاً ولايمكن التعويل عليها ولاتنسجم قطعاً مع آيات الخلود.
الجواب :
إنّ الذين يطرحون هذا الاعتراض يغفلون عن نقطة أساسية وهي الفارق الموجود بين العقوبة الوضعية والعقوبة التكوينية التي هي النتيجة الطبيعية للأعمال أو الحياة في محيط تلك الأعمال.