وَلَايُقبَلُ مِنهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤخَذُ مِنهَا عَدلٌ وَلَاهُمْ يُنصَرُونَ).
رغم أنّ المخاطبين في هذه الآية هم اليهود ـ بقرينة الآية السابقة لها ـ إلّاأنّ حكمها يتّسم بالعمومية ويَسُدّ جميع المنافذ أمام المخالفين ، وأشارت أثناء ذلك إلى أربعة طرق مهمّة تُعتبر وسيلة للنجاة في هذه الدنيا لكثير من المجرمين :
الأول : أن تجزي نفس عن نفس ، والثاني : أن يشفع لها محترم ، والثالث : لو دفعت غرامة لجزت عن العقوبة ، والرابع : أن يهب قوم لنصرتها وانقاذها من مخالب العذاب ، لكن أيّاً من هذه الطرق ليس لها وجود يوم القيامة ، والحديث هنا يدور حول نفي الشفاعة هناك نفياً قاطعاً ، ولكن هل يختص ذلك باليهود الذين سلكوا طريق الكفر والعناد ومجانبة الحق ، وقتل الأنبياء ، وبهذا فهي لا تتنافى مع آيات الشفاعة والروايات المتواترة الدالة على أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وسائر المعصومين عليهمالسلام يشفعون لمذنبي هذه الأمّة؟
أم أنّ هذه الآية تشير إلى ظن اليهود الذين كانوا يتوهّمون بأنّ آباءهم يشفعون لهم يوم القيامة ، فالآية تبطل هذا الوهم وتجعلهم في يأس منه؟ أم أنّ ظاهر الآية مطلق وينفي أي نوع من الشفاعة لأي أحد؟
وتشير الآيات الأُخرى التي ستأتي لاحقاً وكذلك الروايات المتواترة وإجماع الأمّة بأنّ هذه الآية تخص الكفّار والأشخاص الذين لا تشملهم الشفاعة بسبب عِظمِ ذنوبهم ، وعلى هذا فالآية المذكورة ذات طابع عمومي ، والآيات الأخرى ذات صيغة مختصة ، وترفع أي غموض في هذا المجال.
وسيأتي شرح هذا الكلام عن قريب إن شاء الله.
القسم الثاني : الآيات التي تعتبر الشفاعة خاصّة بالله
ومنها الآية الثالثة التي ورد فيها بعد الإشارة إلى خلق السموات والأرض وحاكميَّة الله على كل شيء قوله تعالى : (مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِىٍّ وَلَا شَفِيعٍ)
وبناءً على هذا فإنّ الشفيع هو الخالق المدّبر لعالم الوجود لأنّ الشفاعة هي أيضاً نوع من