التدبير والربوبية والتربية ، ومعنى هذا وجوب عدم التعلّق بالأوثان والالتجاء إلى سوى ذاته المقدّسة ، وأن وضع أحد من الأنبياء والأولياء على مقام الشفاعة فهو مستمد منه بالتأكيد : كما أنّ مقام الحاكمية وهداية وتربية الناس ممنوحٌ لهم من قبل الله تعالى.
وورد نفس هذا المعنى في الآية الرابعة من آيات البحث ، ولكن بصورة اخرى ، إذ تقول لعبدة الأوثان الذين اتخذوها شفعاء لهم : (قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً).
ثم تؤكّد أنّ سبب ذلك هو أنَّ : (لَهُ مُلكُ السَّموَاتِ وَالأَرضِ ثُمَّ الَيهِ تُرجَعُونَ).
فمن البديهي أنّ من يمتلك حق العفو عن المذنبين وحق الشفاعة أو قبول شفاعة الشافعين هو الخالق والمالك لكل الموجودات التي بدأ وجودها منه ثم تعود إليه في نهاية المطاف.
وعلى هذا فانَّ الشفيع في الأساس هو الله تعالى ، لا منافس له في ذلك بل يستمد الآخرون منه مشروعية شفاعتهم ، ومن الواضح أنّ انحصار حق الشفاعة به تعالى دون سواه لا يتنافى أبداً مع مشروعيته للآخرين ، كما أنّ الملكية والحاكمية له دون سواه ، ويمكن للآخرين الملك والحكم بإذنه وبأمره وفي حدود خاصّة.
وما يسترعي الاهتمام هنا هو أنّ الآية السابقة لها قالت حين نفت شفاعة الأوثان : (قُلْ اوَلَوْ كَانُوا لَايَملِكُونَ شَيئاً وَلَا يَعقِلُونَ). (الزّمر / ٤٣)
وهذا التعبير دليل واضح على أنّ الشفاعة من مختصات المالكية والحاكمية ، وإنّما اختص بها الله تعالى لأنّه هو المالك والحاكم الأصل في عالم الوجود والآخرون يقتاتون على فُتات مائدة نعمته.
القسم الثالث : الآيات التي تؤكّد على أنّ الشفاعة منوطة بإذن الله
وهي في الحقيقة مكملة لآيات القسم الثاني ، ولذا ورد في الآية الخامسة استفهام انكاري ينص على :
(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ). (البقرة / ٢٥٥)