القسم الرابع : الآيات التي حددت بعض الشروط للشفيع والمشفوع له
من جملة ذلك الآية التاسعة التي تنفي بقولها : (وَلَا يَملِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ) ثم إنّها استثنت منهم فريقاً فقالت : (إِلَّا مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُم يَعلَمُونَ).
يبدو أنّ الصفة الاولى للشفعاء هي الشهادة بالحق ؛ فلابدّ أن يكون الشفيع موحّداً ، أي لا تتحقق الشفاعة إلّافي ظل التوحيد ونبذ الأصنام والاستعانة بلطف الله.
قال بعض المفسّرين : إنّ هذا الوصف للمشفوع لهم. أي إنّ الشفاعة لا تشمل إلّامن يقر بحقّانية الله ووحدانيّته ، فهي لا تشمل المشركين مطلقاً.
لكن ظاهر الآية ، دالّ على التفسير الأول ، لأنّ التفسير الثاني يحتاج إلى التقدير (١) ، والتقدير خلاف للظاهر.
أمّا الوصف الثاني : «وهم يعلمون» فقد ورد كلا التفسيرين بشأنه أيضاً ، فإن كان الوصف للشفعاء فسيكون معنى الجملة : اؤلئك الذين يشهدون بالحق عن علم ووعي ، أو إن كان المقصود هم المشفوع لهم فيكون المعنى حينئذٍ أنّهم يعرفونهم ويعلمون لمن ينبغي أن تكون الشفاعة.
فإن كان الوصف للمشفوع لهم ؛ يجب أن يكون مفهومها هو أنّ الشفاعة تشمل من ينطقون بحق كلمة التوحيد ويقولونها عن علم ووعي انطلاقاً من الدليل والبرهان وهي غير مقصورة على اللسان.
وجاء نفس هذا المعنى بصورة اخرى في نفس هذه الآية التي نحن بصددها ، فبعد استنكار الآية ورفضها لقول عبدة الأوثان الذين يظنون أنّ الملائكة أبناء الله تقول لهم بأنّهم عباد الله وأنّهم : (وَلَايَشفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارتَضَى) وفي الحقيقة : (وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشفِقُونَ).
وعلى هذا فعبادة الملائكة لأجل نيل شفاعتهم (وهي عقيدة المشركين) لا طائل من
__________________
(١). ينبغي أن يكون تقدير الآية على هذه الشاكلة : «إلّا لمن شهد بالحق».