د) ألا تتعارض الشفاعة مع إرادة الله؟
قد يُتصور أحياناً أنّ الشفيع يحول دون تحقق إرادة الحاكم العادل ، ويُنقذ من العقوبة الشخص الذي ينوي ذلك الحاكم معاقبته ، إلّاأنّ هذا الكلام لا يصدق بحق الله جلّت عظمته.
فهذا التصّور الخاطىء ناتج من اعتبار الشفاعة التي يصورها القرآن مماثلة للشفاعة المتعارفة بين يدي الجبّارين والحكام الظالمين ، فالأشخاص المتنفّذين عند هؤلاء الحكام يحاولون استنقاذ المذنبين الذين يرتبطون معهم بصلةٍ ما ، خلافاً للاصول المرعّية ، فيضطر الحاكم أو السلطان إلى النزول عند رغبة هؤلاء المتنفذين ـ لحاجته إليهم ـ وقبول شفاعتهم والتغاضي عن معاقبة المذنب وقد تكون خلافاً لرغبته أحياناً.
إلّا أنّ هذه المسائل وكما قلنا سابقاً لا تصدق على الله تعالى ولاتنطبق على الشفاعة بين يديه ، فالشفاعة هناك لها طابع آخر ، فأولياء الله يطلبون الشفاعة بإذن الله لمن لديهم ذنوب لكنها ليست كبيرة ، ولديهم في مقابل تلك الذنوب أعمال صالحة أيضاً ، وطرح هذا الموضوع يُعتبر في الحقيقة تربية للنفوس وتطهيراً لها.
ه) عقوبات القيامة هي الأثر التكويني للاعمال ، فكيف يمكن ازالتها بالشفاعة؟
وهذا أيضاً واحد من الإشكالات التي طرحت على الشفاعة ، فالذي يتبادر إلى الأذهان أنَّ الشفاعة يمكن تطبيقها على العقوبات التشريعية والوضعية فقط ، فيكون الشفيع سبباً لايقاف تنفيذ الحكم على المشفوع له ، ولكن عندما نعتقد بأنّ عقوبات القيامة هي في الغالب من الآثار الوضعية والطبيعية للأعمال وهي بذلك تشبه فعل السم في قتل الإنسان ، فهذا الأثر ليس بالشيء الذي يمكن تغييره بالشفاعة.
الجواب : لو أننا لاحظنا ماذكرناه سابقاً في كون الشفاعة على نوعين تكوينية وتشريعية ، لاتّضح لنا جواب هذا السؤال جلياً ، لأنّ العقوبات إن كان لها بُعد تكويني ، فإنّ وقوف أولياء الله باعتبارهم كيانات أقوى وأفضل إلى جانب المشفوع له وكمال استعداده