يقول الفخر الرازي في تفسيره : واختلفوا في لمّية هذه التسمية على وجوه :
أحدها : إنّ سبب ذلك هو الصيحة التي تموت منها الخلائق.
وثانيها : إنّ الأجرام العلوية والسفلية تصطدم مع بعضها بشدّة عند تخريب العالم ، فيحدث على أثر هذا الاصطدام تلك القرعة فسميت القيامة بالقارعة.
وثالثها : إنّ القارعة هي التي تقرع قلوب الناس بالأهوال والخوف.
ورابعها : إنّها تقرع أعداء الله بالعذاب والخزي والنكال. (١)
ولكن الآيات التي تأتي بعد هذه الآيات تدلل على أنّ هذا التعبير ناظر إلى النفخة الاولى ، وهي النفخة التي ترعب جميع الناس ثم تهلكهم وتخرب الجبال ، ولقد ذكرت في تعقيب هذا الموضوع حوادث القيامة كتسلسل طبيعي.
على أيّة حال ، فإنّ التعبير أعلاه إمّا أنّه يشير إلى نفخة الصور الاولى أو أنّ النفخة الاولى جزء منها ، وإمّا أن يكون قد أشار إلى النفخة الثانية ، وهذا ما لا يتوافق مع سياق الآيات ، فمن المستبعد جدّاً أن تكون الآية : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) قد أشارت إلى النفخة الثانية والآية التي بعدها : (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) أشارت إلى النفخة الاولى.
أمّا الآية الثامنة عشرة فنلاحظ فيها تعبيراً جديداً آخر ألا وهو (الزجرة) أو (الصيحة العظيمة) ، في جواب من يعجب من رجوع الحياة بعد الموت ، إذ تقول الآية لا تعجبوا فذلك ليس بالعسير : (فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ).
«زجرة» : في الأصل بمعنى الطرد وبصوت مرتفع ، مثل طرد الإبل ، وتأتي بمعنى الصيحة من قولك زجر الراعي الإبل أو الغنم إذا صاح عليها فريعت لصوته (٢).
وفي كشاف الزمخشري ، زجره يزجره ، إذا صاح بمنعه ثم استعملت بمعنى الطراد ، وترد أحياناً بمعنى الصوت.
وجملة (ينظرون) ربّما تعني النظر بحيرة من شدّة الخوف أو نظر أحدهم إلى الآخر أو انتظار الحكم النهائي.
__________________
(١). تفسير الكبير ، ج ٣٢ ، ص ٧٠.
(٢). راجع مقاييس اللغة والمفردات للراغب ، مادة (زجر).