الكتاب الذي يتكلم :
الآية الرابعة تنسب عملية تدوين الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى إضافة إلى ذلك دلّلت على أنّ صحف الأعمال تنطق يوم القيامة : (وَتَرى كُلَّ امَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ امَّةٍ تُدعى إلى كِتابِها ...* هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُم بِالحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَاكُنْتُم تَعْمَلوُنَ).
فهي تتحدث بوضوح عن كتاب أعمال الامم والذي هو أحد الأقسام الثلاثة لكتب الأعمال ، وتعدد هذه الكتب يؤكد حقيقة تسجيل كل أعمال الإنسان وعدم ترك صغير ولا كبير منها ، ويدل تعبير ـ تُدعى ـ على أنّهم يدعون ليقرأوا كتبهم ، وبالتالي يكونون هم المحاسبين لأنفسهم ، كما جاء صراحة في الآية الشريفة : (إِقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَومَ عَلَيكَ حَسِيباً). (الاسراء / ١٤)
«وجاثية» : مشتقة من (الجُثوّ) على وزن (عُلوّ) بمعنى الجلوس على الركب والسبب في اتخاذ هذه الجلسة من قبل أهل المحشر يعود إمّا لشدّة الخوف أو هي شَبَه للحالة التي كان يتخذها المتهمون في قديم الزمان عند الحضور في المحكمة لإبداء الرأي ، حيث يجلسون جلوس القرفصاء ، وهو الوضع الذي يتخذه الإنسان عند انتظاره للحوادث المهمّة.
ومن الملفت للنظر هنا نسبة تسجيل الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى ، وهذا يدل على أنّ كاتب الأعمال ليس بالذي تتصور فيه الغفلة أو الخطأ وهو عليم ومحيط بكل شيء ، و (نستنسخ) من مادة (نسخ) وحسب قول أهل اللغة أنّ النسخ إزالة شيء بواسطة شيء آخر ويلازمه نفي لشيء وإثبات لشي آخر ، وتستعمل هذه الكلمة بمعنى النفي أحياناً واخرى بمعنى الإثبات وثالثة بمعنى الإثبات والنفي معاً.
من هنا يتبين أنّ الاستنساخ يعني إثبات موضوع مع صرف النظر عن آخر.
* * *
ونجد في الآية الخامسة تعبيراً آخر هو (الطائر) : (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً* إِقْرَأْ كِتابَكَ كَفَى بِنَفسِكَ الْيَومَ عَليكَ حَسيِباً).