يقول بعض المفسرين : إنّ مفهومها هنا ينطبق مع مفهوم الكتابة ولهذا السبب أعربوا كتاباً ، مفعولاً مطلقاً لأَحصينا ، في حين يجب أن يكون المفعول المطلق من مادة نفس الفعل الذي قبله ، وبما أنّ معنى الكلمتين واحدٌ فيمكن أن يحل أحدُهما محل الآخر (١).
* * *
كتب في عليين وأخرى في سجين :
الآية الثامنة التي وردت في موضعين من سورة المطففين تشير إلى كتاب أعمال الأبرار والفجار ، وقد كشفت عن جزئيات أكثر ، فقد ذكرت أولاً كتاب أعمال الفجار : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ* وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ* كِتابٌ مَرْقومٌ).
وبعد عدّة آيات من نفس السورة جاء كتاب أعمال الأبرار : (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّين* وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ* كِتابٌ مَّرقُومٌ* يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ).
وقد ورد في هذه الآيات كلام عن (سجين) و (عليين) التي تحفظ فيها كتب أعمال الفجار والأبرار ، لذا يجب توضيح معنى هاتين الكلمتين بدقّة :
«سِجّين» : هي صيغة مبالغة مشتقة من مادة (سِجن) بمعنى السجن ، ولقد ذكر المفسرون معانيَ مختلفة لهذه الكلمة مثل النّار أو موضع خاص من النّار تحفظ فيه كتب الفجار.
ونحن نقول : إنّ أصح الأقوال هو إنّ سجين كتاب جامع تجمع فيه كتب أعمال جميع الفجار ، وبتعبير أوضح أنّ هذا الكتاب كمثل السجل العام الذي يسجل فيه حساب جميع الدائنين والمدينين.
أمّا (عليين) فهي جمع (علي) على وزن (ملي) وهو في الأصل مشتق من العلو ، وهو إشارة إلى المكان المرتفع ، ولذا يطلق هذا الاسم على الأشخاص الذين يسكنون المناطق المرتفعة من الجبال ، وحسب قول بعض المفسرين : إنّ المراد (بعليين) أعلى أماكن الجنّة أو أعلى مكان في السماء ، ومن خلال المقارنة بين الآراء حول سجين يتضح أنّ عليين كذلك
__________________
(١). وقيل إنّ (كتاباً) حال ، ولكن الاحتمال الأول هو الأصح.