كتاب الأعمال في اليمين أو في الشمال :
تشير الآية الحادية عشرة إلى موضوع جديد وهو إتيان كتاب الأعمال ، فيؤتى الأشرار والأشقياء كتابهم بشمائلهم أمّا الصالحون والأخيار فيؤتون كتابهم بأيمانهم ، وهذه علامة فارقة لتمييز الأخيار من الفجار في محكمة العدل الإلهي : (فَأَمّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَه ...) ، وعلى العكس : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيقُولُ يَالَيْتَنِى لَمْ أُوْتَ كِتابِيَه* وَلَم أَدْرِ مَا حِسَابِيَه* يالَيْتَها كَانَتِ الْقَاضِيَةَ) ، فهل أنّ اليد اليمنى واليسرى إشارة إلى هذا العضو الخاص من البدن أم هو كناية عن الخير والشر ، ولماذا اليد اليمنى كناية عن الخير ، واليسرى كناية عن الشر؟
لقد ورد هذا المعنى (كاحتمال) في تفسير (في ظلال القرآن) ولكن نقول لا توجد ضرورة لهذا التأويل لأنّ إتيان كتاب أعمال الصالحين باليد اليمنى ، والأشرار باليد اليسرى وسيلة لتمييزهم والتعرف عليهم.
أمّا كلمة (هاؤم) فهي على رأى الكثيرين من المفسرين وأرباب اللغة مركبة من (هاء) وهي اسم فعل (أمر) بمعنى خذ و (ميم) وهو ضمير جمع مذكر مخاطب ، وهذه الكلمة تعامل معاملة فعل الأمر فيقال (هاءَ ، هاءِ ، هائماً ، هاؤُم ، هاتُن (للمفرد ، المذكر والمفرد المؤنث والمثنى وجمع المذكر وجمع المؤنث) وأحياناً تبدل الهمزة بالكاف فيقال : (هاكَ ، هاكِ ، هاكما ، هاكن) أمّا الهاء الواردة في آخر كلمتي (كتابِيَهْ وحَسابِيهْ) فيطلق عليها اصطلاحاً ب (هاء السكون) وهي ليست بضمير وإنّما هي للاستراحة في الكلام وليس لها مفهومٌ خاص والأصل : (كتابيَ) و (حِسابيَ).
ولقد ورد في حديث عن عبدالله بن حنظلة المعروف بغسيل الملائكة وهو من شهداء أُحد ، قال : إنّ الله يوقف عبده يوم القيامة فيبدي سيئاته في ظهر صحيفته فيقول له أنت عملت هذا ، فيقول نعم أي ربّ ، فيقول له : إنّي لم أفضحك به وإنّي قد غفرت لك ، فيقول عند ذلك هاؤم اقرؤا كتابيه إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه ، حين نجا من فضيحته يوم القيامة (١).
__________________
(١). تفسير در المنثور ، ج ٦ ، ص ٢٦١ ؛ تفسير في ظلال القرآن ، ج ٨ ، ص ٢٥٦ ولو أنّ هذا الحديث نقل عن عبدالله بن حنظلة ولكنه قد سمعه بالواسطة عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله.