جمع الآيات وتفسيرها
يومئذ كلٌ يرى عمله :
لقد أشارت الآيات الاولى الواردة في آخر سورة الزلزال ثلاث مرّات إلى مسَألة رؤية الأعمال (يَومَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) و (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ) ثم (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ).
«اشتاتا» : جمع (شت) على وزن (شط) بمعنى «التفرق» ، وقد يكون سبب تفرق صفوف الناس في ذلك اليوم ورود كل امة بإمامها أو أن يتفرق أهل الإيمان عن أهل الكفر والعلماء عن المتعلمين والشهداء عن غيرهم (١).
«مثقال» : بمعنى وزن ، والذرة هي الأجزاء الصغيرة جدّاً ، لذا فقد فسّرت الذرة أحياناً بذرات الغبار واخرى بالنملة الصغيرة جدّاً ، ويشير ظاهر الآيات بوضوح إلى أنّ الأعمال الصالحة أو السيئة تتجسد أمام صاحبها في المحشر ، ولو أنّ بعض المفسّرين ـ وبسبب عدم قبولهم لمسألة تجسم الأعمال للأسباب التي أشرنا إليها في بداية الموضوع ـ قالوا بالتقدير فقدروا كلمة «جزاء» ، والمراد حضور ومشاهدة جزاء الأعمال ، وقال البعض : إنّ الرؤية هنا بمعنى العلم والمعرفة أي المشاهدة بعين العقل ، وقال البعض الآخر : المراد مشاهدة كتاب الأعمال.
ومن المسلّم أنّ التفاسير الثلاثة لا تتوافق مع ظاهر الآية وذلك لأنّ تقدير أخذ (الجزاء) أو (صحف الأعمال)، مخالف لظاهر الآية والرؤية هنا بمعنى المشاهدة بالعين لا بالقلب التي تنصب مفعولين، فمن المعلوم أنّ الرؤية القلبية تتعدى إلى مفعولين والرؤية الظاهرية تتعدى إلى مفعول واحد، وفي هذه الآية لا نرى إلّامفعولاً واحداً لا أكثر (فتأمل).
والجدير بالذكر أنّ ابن عباس وبالرغم من كونه أقدم المفسّرين قد قبل هنا بمسألة رؤية الأعمال ، فيقول في رواية وردت عنه :
«ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شرّاً إلّاأراه الله إيّاه ، أمّا المؤمن فيغفر له سيئاته
__________________
(١). تاج العروس في شرح القاموس مادة (شت) ويقول البعض أنّها جمع شتيت والبعض الآخر جمع شتات.