(وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ* وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ* عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ).
قال المرحوم الطبرسي في مجمع البيان : «ما احضرت بمعنى ما وجدت حاضراً من عملها ، والعجيب أنّه يقول على أثرها : إنّ لإحضار الأعمال معنى مجازياً لأنّ العمل ليس بالشيء الذي يبقى إذ إنّه يفنى بعد الأداء ، وقال البعض إنّ المقصود هو حضور صحيفة الأعمال» (١).
في حين ـ كما سنوضح ذلك في فقرة (التوضيحات) ـ أنّ الأعمال لا تفنى أبداً ولا مانع من تجسمها على شكل صور مناسبة في ذلك اليوم.
إنّ احضار العمل سواء كان بمعنى (الاحضار) أو (الحضور) (حيث فسّر بكلا المعنيين) يدلّ على ما نصبو إليه من هذا البحث.
* * *
استيفاء الأعمال يوم القيامة :
يلاحظ في الآيات السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة تعبيراً آخراً في مسألة تجسّم وحضور الأعمال ، حيث ورد في هذه الآيات أنّ أعمال الإنسان الصالحة والسيئة (الخير والشرّ) ترجع إلى الإنسان يوم القيامة كاملة غير منقوصة ، والظاهر من كل هذه الآيات أنّ المراد هو استيفاء العمل نفسه وليس جزاء العمل أو كتاب العمل.
قال تعالى في الآية السابعة : (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُم وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ).
وقال تعالى في الآية الثامنة بعد الإشارة إلى محكمة القيامة وكتاب الأعمال والشهود ونفي الظلم : (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّاعَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَّ) ، فكأنّ هذه الآية تبيّن علّة الحكم بالحق وعدم ظلم الآخرين الذي ورد في الآية التي تسبقها فتقول : كيف يقع الظلم والجور على أحد في حين أنّ نفس أعماله توفى إليه؟! إضافة إلى ذلك أنّ هذه المحكمة
__________________
(١). تفسير مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٤.