أمّا الآية الثالثة فقد أبرزت نفس هذا المعنى بنحو آخر فتحدثت عن الإنسان الجحود الذي خلقه الله سبحانه وتعالى : (فِى أحسَن تَقوِيم) ، وعلى أثر سوء أعماله سقط في (أسفل سافلين) فتقول الآية : (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) (١) أيُّ شيء يكذبك أيّها الإنسان بعد كل هذه الحجج والدلائل بالدين الذي هو الجزاء والحساب (أو أيُّ شيء يُكذَّبُكَ أيها الإنسان بعد كل هذه الحجج والدلائل بالمعاد).
(أَلَيسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) ، أي (أليس الله بأقضى القاضين فيحكم بينك يامحمد وبين أهل التكذيب بك).
أجل فهو أحكم الحاكمين لعلمه المحيط بكل شيء فلا تخفى عليه خافية ، فالعلم هو الشرط الأول الذي يجب توفره في الحاكم ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، أنّه تعالى غير محتاج لأحد وليس له مصلحة في شيء حتى يقضي لأجله على خلاف الحق.
أمّا الناس فهم محتاجون فيقعون تحت تأثير المصالح الشخصية أو الجماعية وأحياناً العواطف والأحاسيس فيحكمون حكماً على خلاف الحق والعدل ، وبما أنّ الله سبحانه وتعالى منزّه عن كل ذلك فهو أحكم الحاكمين وخير الفاصلين.
والجدير بالذكر أنّ كثيراً من التفاسير ذكرت هذه الرواية عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله وهي أنّه صلىاللهعليهوآله عندما كان يكمل هذه الآيات كان يقول : «بلى وأنا على ذلك من الشاهدين».
هذا الحديث هو دليل على التفسير الذي ذكرناه سابقاً (تأمل جيّداً).
* * *
شهود المحشر :
ورد في الآية الرابعة كلام عن شهود يوم القيامة فأشارت إلى الذات الإلهيّة المقدّسة فهو
__________________
(١) عد أغلب المفسرين الخطاب موجهاً إلى الذين سبق ذكرهم في السورة المباركة واحتمل البعض أنّه موجّه إلى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، (تفاسير مجمع البيان ؛ الكبير ؛ والقرطبي ؛ وفي ظلال القرآن ـ وفي الصورة الاولى تفسير كلمة (يكذّبك) (يجعلك كاذباً) وفي الصورة الثانية يفسر على معناه الظاهر بمعنى ماينسبك إلى الكذب ، وعلى أية صورة كانت فإنّ المراد أن لا مجال لانكار المعاد وتكذيب النبي صلىاللهعليهوآله لكثرة الآيات والأدلة الواضحة.