أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى). فلفّتها في خرقة ثمّ أرسلت بها إلى المسجد ، مسجد بيت المقدس ، فوضعتها فيه ، فتنافسها الأحبار بنو هارون.
قال مجاهد : حين دخلت عليهم قال لهم زكرياء ، وهو يومئذ رأس الأحبار : أنا أحقّكم بها ؛ عندي أختها ، فذروها لي. فقالت الأحبار : لو تركت لأقرب الناس إليها لتركت لأمّها التي ولدتها ؛ ولكنّا (١) نقترع عليها ، فهي لمن خرج سهمه. فاقترعوا عليها بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي ، فقرعهم زكرياء فضمّها إليه ، واسترضع لها ، حتّى إذا شبّت بنى لها محرابا في المسجد ، فجعل بابه في وسطه ، لا يرتقى إليها إلّا بسلم ، ولا يأمن عليها أحدا غيره.
وقال الحسن : لم يسترضع لها ولم تلقم ثديا قطّ ، أنبتها الله بغير رضاع. قال الكلبيّ : وكانت امرأة زكرياء أيضا عاقرا قد دخلت في السّنّ ، وزكرياء شيخ كبير ، فهنالك طمع زكرياء في الولد.
قوله : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٣٦) : أى أن يضلّها وإيّاهم.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : كلّ بني آدم يطعنه الشيطان في جنبه حين تلده أمّه إلّا عيسى بن مريم ، ذهب يطعن فطعن في الحجاب (٢). وقال بعضهم : أرأيتم هذه الصرخة التي يصرخها حين تلده أمّه ، فإنّها منه. وذكروا عن بعضهم قال : كلّ آدميّ طعن الشيطان في جنبه إلّا عيسى وأمّه ، جعل بينهما وبينه حجاب ، فأصابت الطعنة الحجاب ، ولم ينفذ إليها بشيء.
قوله : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) : أى : ضمّها زكرياء في تفسير من خفّف قراءتها ، ومن ثقّل قراءتها يقول : وكفّلها الله زكرياء ، بنصب زكرياء.
قوله : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) : ذكر بعضهم قال : كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) أى : من أين لك هذا؟. (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ
__________________
(١) كذا في ق وع ، ود : «ولكنّا» ، وفي ز : «ولا كنّا» ، ولكليهما وجه.
(٢) أخرجه البخاري ومسلم ، والحديث الذي يليه من عدّة طرق وبألفاظ متشابهة عن النبي صلىاللهعليهوسلم. أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، سورة آل عمران ، وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل ، باب فضائل عيسى عليهالسلام (رقم ٢٣٦٦).