قوله : (وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٩١) : كان أنزل في سورة البقرة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) [البقرة : ٢١٩] فذمّها في هذه الآية وهي يومئذ حلال. وبلغنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لّما نزلت هذه الآية قال : إنّ الله يقرّب في تحريم الخمر (١). ثمّ نزلت آية أشدّ منها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) [النساء : ٤٣] فكانوا يشربونها حتّى إذا حضرت الصلاة أمسكوا. وكان السكر عليهم منها حراما ، وأحلّ لهم ما سوى ذلك. ثمّ جاء تحريمها في هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٩١) [المائدة : ٩٠ ـ ٩١] [فجاء تحريم الخمر قليلها وكثيرها ما أسكر منها وما لم يسكر] (٢).
ذكر بعضهم قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من شرب الخمر ثمّ لم يسكر أعرض الله عنه أربعين ليلة ، ومن شرب الخمر ثمّ سكر لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا أربعين ليلة ، فإن مات فيها مات كعابد الأوثان ، وكان حقّا على الله أن يسقيه الله من طينة الخبال. قيل يا رسول الله ، وما طينة الخبال؟ قال : عصارة أهل النار في النار : القيح والدم (٣).
قوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا) : قال بعضهم : شربها القوم على تقوى من الله وإحسان ، وهي يومئذ لهم حلال ، ثمّ حرمت بعدهم ، فلا جناح عليهم فيما شربوا قبل التحريم. وقال السديّ : (فِيما طَعِمُوا) أى فيما شربوا ، يعني الحيّ منهم والميّت قبل تحريمها. (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا) : أى صدّقوا بتحريمها (ثُمَّ اتَّقَوْا) : أى اتّقوا شربها (وَأَحْسِنُوا) : العمل
__________________
(١) أخرجه عبيد بن حميد عن قتادة مرسلا بلفظ : «إنّ الله قد تقرّب في تحريم الخمر». وانظر : السيوطي ، الدر المنثور ، ج ٢ ص ٢١٦.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٨٧.
(٣) رواه أحمد في مسنده بمعناه عن أسماء بنت يزيد الأنصاريّة ، ورواه يحيى بن سلّام عن محمّد بن أبي حميد عن محمّد بن المنكدر مرسلا.