وذكر لنا أنّه كتب إلى كسرى وقيصر والنجاشيّ يدعوهم إلى الله. قال الحسن : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من بلغه أنّني أدعو إلى لا إله إلّا الله فقد بلغته الحجّة وقامت عليه (١). وقال مجاهد : (وَمَنْ بَلَغَ) أى : من أسلم من العجم وغيرهم.
قوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) : وهذا على الاستفهام ؛ يقول :
نعم ، قد شهدتم أنّ مع الله آلهة أخرى. (قُلْ لا أَشْهَدُ) : أنّ مع الله آلهة أخرى. (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (١٩) : يعني أوثانهم أشركوها بعبادة الله.
وقال الكلبيّ : إنّما قال لهم النبيّ : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) قالوا : نعم ، نشهد ، فقال الله للنبيّ عليهالسلام : (قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ).
ثمّ قال : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٠) : يعني مشركي أهل مكّة.
لّما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة قال عمر بن الخطّاب لعبد الله بن سلام : إنّ الله أنزل على نبيّه وهو بمكّة أنّ أهل الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، فكيف هذه المعرفة يا ابن سلام؟ قال : نعرف نبيّ الله للنعت الذي نعته به إذا رأيناه كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان ؛ والذي يحلف به عبد الله بن سلام ، لأنا بمحمّد أشدّ معرفة منّي بابني ، فقال عمر : كيف ذلك؟ قال عرفته بما نعته الله لنا في كتابنا ، وأشهد هو نبيّ الله ، وأمّا ابني فلا أدري ما أحدثت أمّه. فقال له عمر : وفّقك الله ، فقد أصبت وصدقت.
وقال بعضهم : يعرفون أنّ الإسلام دين الله ، وأنّ محمّدا رسول الله. قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) يعني من كفر من أهل الكتاب.
قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) : فعبد معه الأوثان (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) : وهذا على الاستفهام ، يقول : لا أحد أظلم منه (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢١) : أى المشركون.
__________________
ـ الحديث في الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بلّغوا عنّي ولو آية ، وحدّثوا عن بني إسرائيل ، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار».
(١) لم أجده بهذا اللفظ ، وهو توكيد لمعنى الحديث السابق ، وانظر الدر المنثور ، ج ٣ ص ٧.