قال بعض أهل العلم : حدّثونا أنّ السور لم تنزل كلّ سورة منها جملة ، إلّا اليسير منها ، ولكنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قد كان سمّى السور ، فكلّما نزل من القرآن شىء أمر أن يضعوه من السورة في المكان الذي يأمرهم به ، حتى تمّت السور. وكان أمر أن يوضع في بعض السور المكّيّة من المدنيّ ، وأن يجعل في بعض السور المدنيّة من المكّيّ.
كان جبريل يأتي النبىّ صلىاللهعليهوسلم فيقول : إنّ الله يأمرك أن تضع كذا وكذا بين ظهراني كذا وكذا من السورة. وقد نزل المكّىّ قبل المدنيّ. وإنّ هذا التأليف الذي ألّف بين السور لم ينزل على هذا التأليف ، ولكنّه وضع هكذا ؛ لم يجعل المكيّ من السور على حدة يتبع بعضها بعضا كلّها في تأليف السور. وإنّ ما أنزل بمكّة وما أنزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبىّ عليهالسلام المدينة فهو من المكّيّ. وما أنزل على النبيّ عليهالسلام في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهو مدنىّ. وما كان من القرآن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فهو مدنيّ ، وما كان (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ففيه مكّىّ ومدنيّ ، وأكثره مكّيّ.
ذكروا عن أبي الدرداء أنّه قال : نزل القرآن على ستّ آيات : آية مبشّرة ، وآية منذرة ، وآية فريضة ، وآية تأمرك ، وآية تنهاك ، وآية قصص وأخبار. ذكر الكلبىّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس أنّه قال : نزل القرآن على أربعة أوجه : حلال وحرام لا يسع الناس جهله ، وتفسير يعلمه العلماء ، وعربيّة تعرفها العرب ، وتأويل لا يعلمه إلّا الله ، (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) [سورة آل عمران : ٧] (١).
ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما في القرآن آية إلّا لها ظهر وبطن ، وما فيه حرف إلّا وهو حدّ ، ولكلّ حدّ مطّلع (٢).
__________________
ـ عمر بألفاظ قريبة ممّا وردت عليه هنا. وفيه : «أيّ الخلق أفضل إيمانا؟».
(١) إنّ ابن عبّاس رضي الله عنه ، يجعل الكلام في هذه الآية يتمّ عند قوله تعالى : (إِلَّا اللهُ) ، وعليه الوقف في رواية ورش عندنا بالمغرب. فيجعل الواو في قوله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) للاستئناف لا للعطف. وفي هذه المسألة خلاف مشهور بين علماء التفسير. فكأنّ في القرآن آيات تبقى سرّا مجهولا لا يعلم حقيقة تأويلها الّا الله. ونحن متعبّدون بتلاوتها والإيمان بها. وهذا قول ذهب إليه الجمهور ، منهم ابن عمر وابن مسعود وأبيّ بن كعب وابن عبّاس وعائشة وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز.
(٢) جاء هذا الحديث مضطرب العبارة في ع ، وسقطت بعض ألفاظه في د ، فأثبت تصحيحه من بعض كتب التفسير التي أوردته. فقد رواه الطبريّ مثلا في تفسيره بإسنادين في المقدّمة ج ١ ص ٢٢ ثمّ شرحه بتفصيل ـ