تفسير سورة التوبة وهي مدنيّة كلّها (١)
ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : قلت لعثمان بن عفّان : كيف جعلتم الأنفال وهي من المئين مع براءة ، وهي من الطّول ، ولم تكتبوا بينهما سطر(بسم الله الرحمن الرحيم)؟ فقال : إنّ رسول الله عليهالسلام كان تنزل عليه الثلاث الآيات والأربع الآيات والخمس الآيات جميعا وأقلّ من ذلك وأكثر فيقول : اجعلوا آية كذا وكذا في سورة كذا وكذا في موضع كذا وكذا ، وإنّه قبض ولم يقل لنا في الأنفال شيئا ، ونظرنا فرأينا قصصهما متشابها فجعلناها معها ولم نكتب بينهما سطر(بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١) : يعني بالبراءة براءة من العهد الذي كان بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين مشركي العرب. يقول للنبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، ثمّ أقبل على أهل العهد من المشركين فقال : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) : وكان ذلك بقيّة عهدهم من يوم النحر إلى عشر ليال يمضين من ربيع الآخر ، وهو العام الذي ححّ فيه أبو بكر الصدّيق ونادى فيه عليّ بالأذان.
وفي تفسير الحسن أنّ النبيّ عليهالسلام أمر أبا بكر أن يؤذّن الناس بالبراءة. فلمّا مضى دعاه فقال : إنّه لا يبلّغ عنّي في هذا الأمر إلّا من هو من أهل بيتي. وقال بعضهم : إلّا من هو منّي. فأمر بذلك عليّ بن أبي طالب ، رضي الله عنه (٢).
ذكر الأعمش عن بعض أشياخه أنّ النبيّ بعث ببراءة مع أبي بكر ، ثمّ أتبعه عليّا ، فأمره أن ينادي بها. ورجع أبو بكر إلى النبيّ يبكي ، فقال : يا رسول الله ، هل أنزل فيّ شيء؟
__________________
(١) أذكّر أنّه ورد في أوّل السور في مخطوطتي ق وع تعداد للآيات والكلمات والحروف ، وهي من زيادة بعض النسّاخ ولا شكّ ، وهي غير واردة في د وج ، ولا في ز. لذلك لم أر ضرورة لإثباتها.
(٢) ذكره ابن هشام في السيرة ، ج ٣ ص ٥٤٩ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ.