البغي والكفر. (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) : يقول : وإنّما بغيكم وكفركم في الدنيا ، ثمّ ينقطع فترجعون إلى الله. وهو قوله : (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٣).
ثمّ ضرب مثل متاع الحياة الدنيا فقال : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) : قال بعضهم : فأخرجت الأرض ألوانها من النبات. وقال بعضهم : فاختلط ذلك الماء بالنبات الذي أنبت الله بذلك الماء. (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) : أي زينتها ، أي من نباتها من صفرة وحمرة وخضرة. (وَازَّيَّنَتْ) : يعني الزينة من زهرتها (وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) : أي أنّ ذلك الزرع في أيديهم (١) (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً) : أي : قد حصد وذهب أجمع. (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) : أي كأن لم يكن ذلك الزرع بالأمس قائما. قال : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) : أي نبيّن الآيات (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) : (٢٤) : يقول : فالذي أنبت هذا الزرع في الأرض الموات حتّى صار زرعا حسنا ، فاهتزّ فأخرج زينته ، ثمّ أهلكه بعد حسنه وبهجته ، قادر على أن يحيي الموتى. وهو كقوله : (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) [الكهف : ٤٥] قال : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي : إنّما يقبل ذلك ويعقله المتفكّرون ، وهم المؤمنون. وهو كقوله : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (٤٣) [العنكبوت : ٤٣].
قوله : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) : والسّلام هو الله ، وداره الجنّة. ذكروا أنّ أبا الدرداء قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما طلعت شمس إلّا بعث بجنبتيها ملكان يناديان ، يسمعان من على الأرض. إلّا الثقلين الجنّ والإنس : أيّها الناس ، هلمّوا إلى ربّكم ، فإنّه ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى. ولا غابت إلّا بعث بجنبتيها ملكان يناديان ، يسمعان من على الأرض إلّا الثقلين : اللهمّ أعط كلّ منفق خلفا ، وكلّ ممسك تلفا (٢). وزاد بعضهم : (وَاللهُ
__________________
(١) كذا في المخطوطات ، وفي ز ورقة ١٣٩ : «أي قادرون على الانتفاع بما فيها من زرع».
(٢) أخرجه أحمد في مسنده بسند صحيح ، وأخرجه الطبريّ في تفسيره ، ج ١٥ ص ٦٠ ـ ٦١. وأخرجه البغويّ في شرح السنّة ، ج ١٤ ص ٢٤٧.