(مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) : أي بذلك (إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) : أي في ذلك العمل أجمع (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) : أي وما يضلّ عن ربّك ، وبعضهم يقول : وما يغيب عن ربّك (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) : أي وزن ذرّة (١) (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) : أي حتّى لا يعلمه ولا يعلم موضعه (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦١) : أي بيّن عند الله. يحذّر الله العباد ويخبرهم أنّه شاهد لأعمالهم.
قوله : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢) : أي في الآخرة. (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).
ذكروا عن عمرو بن دينار قال : قدم علينا فقيه من أهل مصر فسألته عن هذه الآية فقال : سألت عنها أبا الدرداء فقال : سألت عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : هي الرؤيا الحسنة يراها المؤمن أو ترى له (٢).
قال : (وَفِي الْآخِرَةِ) : يعني الجنّة.
وتفسير الحسن : يبشّرهم الله في القرآن بالجنّة ، كقوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [البقرة : ٢٥]. وقال : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [يونس : ٢] وقال : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٤٧) [الأحزاب : ٤٧] أي الجنّة.
قال : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦٤) : أي الجنّة ، على الكلام الأوّل ، على قوله : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ).
__________________
(١) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن ، ج ١ ص ٢٧٨ : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) أي : ما يغيب عنه. ويقال : أين عزب عقلك عنك؟. (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) أي : زنة نملة صغيرة ، يقال : خذ هذا فإنّه أخفّ مثقالا ، أي : وزنا».
(٢) أخرجه أحمد ، وأخرجه ابن جرير الطبريّ من عدة طرق عن أبي الدرداء وعن عبادة بن الصامت في تفسيره ، ج ١٥ ص ١٢٥ ـ ١٤٠. وفي ز ورقة ١٤٠ جاء الحديث بالسند التالي : «يحيى عن أميّة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أنّ عبادة بن الصامت سأل نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم عن هذه الآية فقال : هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له».