وشكوا إلى نوح في السفينة الزبل ، فأوحى الله عزوجل إلى نوح أن يمسح بيده على ذنب الفيل ، ففعل ؛ فخرج منه خنزيران كانا يأكلان الزبل. وشكوا إليه الفأر ، فأوحى الله إلى الأسد ، أي ألقى في قلبه ، مثل قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [النحل : ٦٨] ، فعطس الأسد فخرج من منخريه سنّوران فكانا يأكلان الفأر. وشكوا إلى نوح عرامة (١) الأسد ، فدعا عليه نوح فسلّط الله عليه الحمّى ، فقال له نوح : «إزناتاعت لسري» وهي بالسريانيّة. فقال له نوح : أيّها الأسد : أتريد لحما؟ فأومأ الأسد : لا (٢).
قوله : (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) : أي الغضب ، وهو ابنه الذي غرق ، وقال الحسن : (مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) أي : كل من غرق يومئذ.
وقال الحسن : (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ) : يقول : احمل أهلك ومن آمن ، وهم الذين كانوا في السفينة ، هم أهله ، وهم الذين آمنوا إلّا من سبق عليه القول. قال : (وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (٤٠) : قال بعضهم : لم ينج في السفينة إلّا نوح وامرأته وثلاثة بنين له : سام وحام ويافث ونساؤهم ، فجميعهم ثمانية. ذكروا عن الحسن أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : سام أبو العرب ، وحام أبو الروم ، ويافث أبو الحبش (٣).
__________________
(١) عرامته : شدّته وقوّته وشراسته.
(٢) هذه الأخبار التي تروى حول سفينة نوح عليهالسلام ، وشكلها ، وحمولتها ، هي ولا شكّ من قبيل الإسرائيليّات ، ومن أحاديث القصّاص المولعين بسرد الأساطير وغرائب الأخبار ، ولا يمكن أبدا أن تكتسب أيّ صبغة علميّة ، أو قيمة إخباريّة. ولو لا أمانة النقل لما جاز لعاقل أن يسوّد بها صحيفة ، أو يجري بها قلما في كتاب. وإنّ المؤمن الغيور على دينه ليأسف كلّ الأسف أن يجد بعض هذه الأخبار مبثوثة في بعض كتب التفسير والحديث ، وهي مناكير لا يمكن أن يثبت بها شيء عن الصادق المصدوق عليهالسلام. وإنّه ليخجل أن يجدها منسوبة إلى بعض أعلام الصحابة أو التابعين ممّن لهم قدم راسخة في تأويل كلام الله. على أنّ هذا يجب أن لا يصرف همم طلّابنا وشبابنا المسلم عن قراءة هذه النفائس من تراث الأوائل في التفسير والحديث أو التاريخ ، وإن وجدوا أحيانا في بعضها ما يبدو لهم كذبا منكرا ، أو تافها بسيطا. فإنّ هذه النفائس من تراث الأوائل ، وعطائهم الفكريّ الأصيل هي التي تفتّق أذهانهم ، وتكسبهم مهارة في تفهّم كلام الله لمعالجة مشاكل العصر على ضوء كتاب الله عزوجل ، وسنّة النبيّعليهالسلام.
(٣) أخرجه الترمذيّ في كتاب التفسير ، في سورة الصافّات عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبيصلىاللهعليهوسلم.