مهرب ولا من معدل من عذاب الله.
وقال بعضهم : إنّهم يقولون إذا اشتدّ عليهم العذاب وجزعوا : تعالوا نصبر ، فيصبرون فلا ينفعهم شيئا ، فيقولون : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) أي : من منجاة.
(وَقالَ الشَّيْطانُ) : يعني إبليس (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) : أي لمّا حكم وفصل بين العباد ، وقضي بينهم بالقسط ، فأبان الله أهل الجنّة من أهل النار ، قام إبليس خطيبا بإذن الله ، وبئس الخطيب ، يريد الله بذلك توبيخ أهل النار ، فيسمع الخلق كلّهم فقال : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) : أي وعدكم الجنّة على التمسّك بدينه ، والحفظ لحدوده (وَوَعَدْتُكُمْ) : أنا (فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) : أستكرهكم به (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) : أي بالوسوسة (فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) : أي ما أنا بمغيثكم من عذاب الله (وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) : أي بمغيثي من عذاب الله (١) (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) : أي في الدنيا ، أي : عصيت الله قبلكم.
وقال بعضهم : (بما أشركتمون) أي : مع الله في الطاعة لي في الشرك به.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ((إذا جمع الله الأوّلين والآخرين فقضى بينهم وفرغ من القضاء قال المؤمنون : قد قضى بيننا ربّنا ، فمن يشفع لنا إلى ربّنا. قالوا : فانطلقوا إلى آدم عليهالسلام ، فإنّه أبونا ، وخلقه الله بيده وكلّمه. فيأتونه ويكلّمونه أن يشفع لهم ، فيقول آدم : عليكم بنوح. فيأتون نوحا ، فيدلّهم على إبراهيم عليهالسلام. ثمّ يأتون إبراهيم فيدلّهم على موسى عليهالسلام ، ثمّ يأتون موسى فيدلّهم على عيسى عليهالسلام ، ثمّ يأتون عيسى فيقول : أدلّكم على النبيّ الأمّيّ محمّد صلىاللهعليهوسلم وعلى جميع الأنبياء والرسل ، فيأذن الله لي أن أقوم. فأثني عليه ، وأقوم فيفور من مجلسي أطيب ريح شمّها أحد ، حتّى أقوم
__________________
(١) جاء في مجاز أبي عبيدة ، ج ١ ، ص ٣٣٩ ما يلي : «(مّا أنا بمصرخكم) أي بمغيثكم ، ويقال : استصرخني فأصرخته ، أي : استعانني فأعنته ، واستغاثني فأغثته».