المقام المحمود الذي وعدني ربّي أن أقومه ، وأسال ربّي الشفاعة للمؤمنين فيشفّعني ، ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي ، ثمّ يقول الكافرون عند هذا : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم ، فقم أنت فاشفع لنا ، فإنّك أنت أضللتنا. فيقوم فيفور من مجلسه أنتن ريح شمّها أحد ، ثمّ يعظهم بجهنّم (١) ، ويقول عند ذلك (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ ...) إلى آخر الآية)) (٢).
قوله : (إِنَّ الظَّالِمِينَ) : أي المشركين والمنافقين (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢٢) : أي موجع.
قوله : (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) : أي بأمر ربّهم (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) (٢٣) : أي تحيّيهم الملائكة عن الله بالسلام ، فتستأذن عليهم حتّى تدخل عليهم بالتحيّة من عند الله والكرامة والهديّة ، وبأنّ الله عنهم راض ، ويسلّم أهل الجنّة بعضهم على بعض بالسلام ، وهو تحيّة أهل الجنّة.
وذكر بعضهم أنّ طوبى شجرة في الجنّة ، وقد وصفناها قبل هذا الموضع (٣). وهي مجلس من مجالس أهل الجنّة ومتحدّثهم فيما بينهم. فبينما هم في ظلّها ذات يوم يتحدّثون إذ أتتهم الملائكة بنوق بخت (٤) ، مزمومة (٥) بسلاسل الذهب ، كأنّما وجوهها المصابيح من
__________________
(١) في ج ود ، وفي ز ورقة ١٦٥ ، وفي تفسير الطبري ، ج ١٦ ص ٥٦٣ : «يعظم لجهنّم». وفي مخطوطتي ق وع : «يعظهم بجهنّم» ، ولكلّ من اللفظين وجه في التأويل. ويظنّ الأستاذ الشيخ محمود محمّد شاكر «أنّها يقطّم لجهنّم» من قولهم : قطم الشارب إذا ذاق الشراب فكرهه». وأنا أميل إلى ما ورد في ق وع وأقول : بئس الواعظ هو ، وبئس ما يعظهم به ، ولات ساعة موعظة!.
(٢) أخرج الطبريّ هذا الحديث في تفسيره ، ج ١٦ ص ٥٦٢ مرفوعا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم برواية عقبة بن عامر وأخرجه السيوطيّ في الدرّ المنثور ، ج ٤ ص ٧٤٠ ، ونسبه إلى ابن المبارك وابن أبي حاتم والطبرانيّ وغيرهم. ولكنّه حديث ضعيف واهي السند. ونقله ابن كثير في تفسيره ، ج ٤ ص ١٢٠ بدون إشارة إلى ضعفه.
(٣) انظر ما سلف في هذا الجزء ، تفسير الآية ٢٩ من سورة الرعد.
(٤) هي الإبل الخراسانيّة ، طويلة الأعناق ، واحدها بختي ، ومؤنّثه بختية. وانظر اللسان : (بخت).
(٥) زممت البعير إذا علّقت عليه الزمام لقيادته ، فهو مزموم.