إنّ المؤمن إذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا أتته ملائكة وجوههم كالشمس بحنوطه وكفنه ، فجلسوا منه بالمكان الذي يراهم منه. فإذا خرج روحه صلّى عليه كلّ ملك بين السماء والأرض ، وكلّ ملك في السماوات ، وفتحت أبواب السماء ، كلّ باب منها يعجبه أن تصعد روحه منه. فينتهي الملك إلى ربّه فيقول : يا ربّ ، هذا روح عبدك. فيصلّي الله عليه وملائكته ويقول : ارجعوا بعبدي وأروه ما أعددت له من الكرامة ، فإنّي عهدت إلى عبادي أنّي (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ) [سورة طه : ٥٥] فيردّ إليه روحه حتّى يوضع في قبره. وإنّه ليسمع قرع نعالهم حين ينطلقون عنه ، فيقال : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول : الله ربّي ، والإسلام ديني ، ومحمّد نبيّي ، فنادى مناد : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ).
ويأتيه عمله في صورة حسنة وريح طيّبة فيقول : أبشر بحياة فيها نعيم مقيم ، فقد كنت سريعا في طاعة الله ، بطيئا عن معصية الله ، فيقول : وأنت فبشّرك الله بخير ، فمثل وجهك يبشّر بالخير ، فمن أنت؟ فيقول : أنا عملك الحسن. فيفتح له باب من أبواب النار فيقال له : هذا منزلك ، فأبدلك الله خيرا منه. ثمّ يفتح له منزله من الجنّة ، فينظر ماذا أعدّ الله له من الكرامة فيقول : يا ربّ متى تقوم الساعة كي أرجع إلى أهلي ومالي ، فيوسّع له في قبره ويرقد.
وأمّا الكافر فإذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا أتته الملائكة بسرابيل من قطران ، ومقطّعات من نار. فجلسوا منه بالمكان الذي يراهم. وينتزع روحه كما ينتزع السّفود الكثير شعبه من الصوف المبتلّ من عروقه وقلبه. فإذا خرج روحه لعنه كلّ ملك بين السماء والأرض وكلّ ملك في السماوات ، وغلّقت أبواب السماء دونه ، كلّ باب يكره أن يصعد روحه منه. فينتهي الملك إلى ربّه فيقول : يا ربّ هذا روح عبدك فلان لا تقبله أرض ولا سماء ، فيلعنه الله وملائكته فيقول : ارجعوا بعبدي فأروه ما أعددت له من الهوان ، فإنّي
__________________
ـ عذاب القبر ، وعذاب النار ، وفتنة المحيا والممات ، وشرّ المسيح الدجّال».