عهدت إلى عبادي أنّي (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ). فيردّ إليه روحه حتّى يوضع في قبره ، وإنّه ليسمع قرع نعالهم حين ينصرفون عنه. فيقال له : ما دينك؟ ومن ربّك؟ فيقول : لا أدري. فيقال له : لا دريت. فيأتيه عمله في صورة قبيحة وريح منتنة فيقول : أبشر بعذاب مقيم ، فيقول : وأنت فبشّرك الله بشرّ ، فمثل وجهك يبشّر بالشرّ ، فمن أنت؟ فيقول : أنا عملك الخبيث. ثمّ يفتح له باب من أبواب الجنّة فيقال له : هذا منزلك لو أطعت الله. ثمّ يفتح له منزله من النار فينظر إلى ما أعدّ الله له من الهوان ، ويقيّض له أصمّ أعمى بيده مرزبة لو توضع على جبل لصار رفاتا ، فيضربه ضربة فيصير رفاتا. ثمّ يعاد فيضربه بين عينيه ضربة يصيح بها صيحة يسمعها من على الأرض إلّا الثقلين ، وينادي مناد أن أفرشوه لوحين من النار ، فيفرش لوحين من نار ، فيضيّق عليه قبره حتّى تختلف أضلاعه (١).
قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) : أي نعمة الله التي أنعمها عليهم جعلوا مكانها كفرا. كقوله : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (٨٢) [الواقعة : ٨٢] ، أي : تجعلون مكان شكر النعمة تكذيبا وكفرا. فكان كفر المشركين تكذيبا ، وكان كفر المنافقين كفرا لأنعم الله ، لم يشكروها. وإذا لم تشكر النعم فقد كفرت.
قوله : (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) (٢٩) : [هم المشركون من أهل بدر] (٢) أخرجوا قومهم إلى قتال النبيّ صلىاللهعليهوسلم ببدر ؛ يعني أخرج بعضهم بعضا فقتلهم الله ببدر فحلّوا في النار. وقوله : (دار البوار) أي : دار الفساد ، أي : أفسدت أجسادهم في النار. وقال الحسن : (دار البوار) شرّهم ، قوله : (وبيس القرار) أي : وبئس المأوى والمنزل الذي استقرّوا فيه فصار قرارهم.
__________________
(١) حديث البراء بن عازب هذا حديث معروف في كتب الحديث صحيح الإسناد ؛ أخرجه البخاريّ مختصرا في كتاب التفسير من سورة إبراهيم ، وأخرجه أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والحاكم وصحّحه ، والبيهقيّ وغيرهم مطوّلا بزيادة ونقصان. أخرجه أبو داود مثلا في كتاب السنّة ، باب في المسألة في القبر وعذاب القبر. (رقم ٤٧٥٣). وأخرجه الربيع بن حبيب في الجزء الرابع في مراسيل جابر بن زيد (رقم ٩٨٢).
(٢) زيادة من ز ، ورقة ١٦٦.